/ / / / محمد بكري يكتب : محاولة تعقيم - المصريين بجد
الرئيسية / مقالات / محمد بكري يكتب : محاولة تعقيم

محمد بكري يكتب : محاولة تعقيم

محمد بكري -المصريين بجد

جلس وسط الحافلة في زحام شديد ، أصوات شيطانية تنبعث من الموتور وتهدد الركاب بضياع الزمن ( إن لم تكن الأرواح ) – الصمت هو شعاره منذ وقت غير قصير ، يرفعه راية تخفق في جمع النشاز – بمرور الوقت زاد التصاقه بأذنيه ! حاول معرفتهما اكثر .. وجدهما يزدادان سمكا والشحمة تتدهن وتترهل حتى ليظن الرائي أن الأحداث تجذبه منهما باستمرار .. بل راح يدقق النظر في صفحتهما العليا .. ففوجئ باستعراض وطول غير طبيعيين .. بالفعل ليسا كأذن حمار .. ( ربما بغل ) ولكنه تخيل حجم الصراخ والجدال والضجيج والكلام الذي يصبوا فيهما .. يعانى هو من الشعور بالغربة .. حس إن أذناه ليستا ملكه .. ملصقين به .. وتمنى أن يخلعها عند النوم مثل الحذاء! كثيرا ما حاول ترويض فكرة بترهم وحفظهما في صندوق زجاجي مع المقتنيات .. و لكن ثقب السمع والإنصات مستمر في العب والانتشاء ! حاول الترويح عن نفسه بالابتعاد عن الصخب وتقنين الجدال والانفتاح على الجميل فقط – استغرقته المحاولة نفسها بمزيد من الإحباط ليقنع الأخريين بها … وأصبحت دقة الوتر .. تلسع أعصابه والنبرة الحادة تكوى الأوصال أما الصمت .. فبركات ثلج .. قد يطيح بالجميع .. مرهق .. وهمسات الحب تنعشه .. تبلل سخونة الضغط ، باحتمالات التفاهم والرضاء .. سحقا للخيال ورقصات الموت الأبيض على السندان ! من طول السمع والإنصات .. تقولبت نفسيته لتكون سندان .. مثل أذنه تماما والصوت هو المطرقة .. نظرات الناس مطرقة ، حديثهم ، سخفهم، وشاياتهم .. المحاولات المزيفة .. كلها مطارق تدوي في سندانه ، تلدغه تؤكد طرقها .. وتركز سندانيته . .. لا يفل الحديد..إلا الحديد .. وهو ليس بحديد أو فولاذ أو حتى صفيح ولكنه كتلة .. دم ولحم ومعادن .. ومشاعر .. و .. سندان ! لا يعرف من أوحى له بهذا الدور في الحياة ليعيش كسندان! .. هل ذاته .. طبيعته ؟ أم كمية الصبات المعنوية واللفظية التي تتلقها أذنه يوميا ؟ لا يعرف على وجه التحديد .. ولكنه يعرف أن هناك مشكلة .. خلع الحذاء يريح القدم ، الملابس تبسط الأمور .. ولكن كيف يوقف البشر ؟ في الإنصات رحمه .. نقمة ! في السمع هداية .. وشاية .. في الإصغاء فهم .. تخبط!؟ وقف الاذن ، بتر السمع ، منع الإصغاء .. لا يهم فمساحات الوقت ستتسع لأميال شاسعة من هدوء التفكير والاستمرار .. ستوجد دائما فرص لطرق الباب أولا بدلا من السندان . سيعود عصر الكتاب والورقة والقلم والموسيقى الداخلية يسمعها في اطمئنان .. سيوقف التلفاز عند حده ويجند إمكانياته المرحة في أعماله الضائعة .. سيفقد السمع نهائيا .. لن يسمع الأذان أو همسات الحب أو دق المطارق ورحمة الأعطاف .. يا للقسوة .. وطول الانتظار .. لماذا لم يُخلق مطرقة يحطم الاذن بدلا من تحطيمه هو شخصيا .. لابد من محاولة ناجحة للتوسط في الأمور ؟ بعيدا عن وضع السماعات أو تجاهل الأصوات . ومتاعب الإسقاط ! فمن المستحيل الاستمرار بلا سمع نهائيا . وأيضا أن يظل سندان نهائيا . ! إحساس مدبب بالوخز في حواف شحمتا أذنه ؟، يدفعاه للتفكير في المحاولة .. صراخ و لدد من حوله ، دفعه للتفكير ، صوت البائع يعلى الأسعار ساقه للمزيد .. شكوك ومخاوف ووشايات تصيبه بالتذبذب .. تمحوه من الثبات .ليأتي التماسك فيلحمه بقطرة إيمان . هروب هو .. إن لم يكن فرار .. وان جاز التجميل! فليقولها تصومع أو إعادة بناء ! يقولها .. ولن يسمع الرد ! سيبقى صوته بلا سمع.. سيحاول الطرق .. بلا رد ! يا للأسلوب النعامي في الحياة !!! ولا عجب فأكثرهم محترفيه بالطبيعة ! فلتكن المحاولة اذن و.. و ذهب يقنع طبيبا ، بمحاولة تعقيم أذنيه !؟

Facebook Comments Box
المقال يعبر عن رأي كاتبه دون أدني مسئولية علي الموقع

شاهد أيضاً

محمد بغدادي يكتب:السيسي مفتاح العودة ومالك قلوب المصريين

المصريين بجد-محمد بغدادي بعد سلسلة الأحداث الدامية التي شهدتها مصر إبان يناير 2011، شهدت الدولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Verified by ExactMetrics