/ / / / عاطف البرديسي يكتب :وداعاً زمن الطيبين - المصريين بجد
الرئيسية / مقالات / عاطف البرديسي يكتب :وداعاً زمن الطيبين

عاطف البرديسي يكتب :وداعاً زمن الطيبين

المصريين بجد- عاطف البرديسي

لا يكاد يمر يوم دون أن يحمل معه إشارة أو حتى لمحة تطير بنا الذاكرة إلى زمن الطيبين لنرى وفي ثوانٍ معدودة كل ما يمُت لذلك الزمن الجميل من ثياب وحلويات وشوارع وأزقة

خلف الابواب العتيقة ذكريات جميلة ؛ مهما حاولنا النسيان إلا أنّ الذكريات تبقى محفورةً داخلنا ؛ تُذهِبُنا لعالم جميل نتذكّر فيه أجمل اللحظات حتى وإن كانت مؤلمة يبقى لها رونق خاص بالقلب ؛ فقد تجمعنا الدنيا بأشخاص أو قد نمر بأماكن لم نعتبرها في بداية الأمر مهمّةً ؛ ولكن عند الابتعاد نشعر بقيمتها ومدى تأثيرها ؛ فنعيش بذكريات وأمل أن تعود من جديد
ذكريات مضت لكنها ما زالت تنبض بالحياة

أيام ليست ببعيده ؛ ولكن لو نظرنا اليها نجدها أصبحت ماضٍ بعيد ؛ ذهب ولن يعود
ذهب زمن الطيبين وبقيت أحلى ذكرياته في خواطرنا تدغدغ مشاعرنا ؛ تضحكنا حيناً وتعصر قلوبنا حيناً آخر

يا أيام زمان مررتى بسرعة لدرجة أننى لم أشعر بمرور هذه الايام ؛ مرت گ البرق

في كل مجلس في زمننا الحاضر وعند التطرق إلى الحديث عن جيل مضى نجد أن الكل وخصوصاً من عايش نهايات تلك الفترة من الزمن يتحسر على ما فات من تلك الأيام الجميلة ؛ بل ويحدوهُ الحنين إلى ذلك ؛ مما يجعلنا نتساءل وبشدة ما الذي تغير..؟!

سؤال عندما تطرحه على الكثيرين تجد الإجابة متشعبة ؛ فمنهم من يحن إلى جيل البساطة الذي تميزه حلاوة اللقاء الممزوجة بصفاء القلوب بل والمحبة والعطاء ؛ جيلٌ يسأل الجار عن جاره ويتفقد الأخ أخاه ؛ جيلٌ لم تغيره سنين الطفرة المتتالية بما حملته من تباعد في النفوس

تُرى لماذا كل هذا الحنين الشديد لذاك الزمن مع كل ما فيه من فقر وشح في الإمكانيات ..؟!

لماذا كل هذا الحنين لذاك الزمان الذي مضي ولن يعود ..؟!

لماذا كل هذه التنهيدات عندما يُذكر هذا الزمان ..؟
ويأتي الجواب ليكشف لنا عن حقيقة اختفت وراء هذا الحب الرومانسي للطيبين
وزمن الطيبين هو ذاك العمر الذي عاشه آباؤنا والبعض منا عاش أواخره

أيام زمان أقولها بكل حسرة وآلم ؛ ولكنى أعلم بأنها أصبحت ذكرى فى القلوب ؛ أتذكرها فـ أبكى وأضحك ؛ وتختلط المشاعر بداخلى
فرحةً على كل ما مررت به ؛ ووجود ذكريات من زمان وحزين لمرورها سريعاً من بين يدي ؛ ولكنني سعيد لاننى عشت هذه اللحظات بحلوها ومرها

حمداً لله على وجود ذكرى لدى من الزمن الجميل لاتذكره بها ؛ ومهما كانت الذكرى فهى أروع وأجمل ذكرى لأ جمل أيام فى حياتى

أين أنت أيها الزمان الذي كان نقياً كالغمام ؛ طاهراً كالندى ؛ صافياً گ صفحة السماء ؛ لا يوجد أجمل من ماضٍ تكون فيه طفلاً صغيراً لا تحمل الأعباء ؛ ولا تسكنك الهموم ؛ ولا تتطلع لغير اللهو واللعب

ألا أيها الماضي الجميل ألا عُد؛ وكن لنا طاهراً كما كنت نقياً كما عشناك صافياً كما عرفناك ؛ لا نريد دنيا ملؤها الكره ؛ ويسكنها القتل ؛ ويعيش في جنباتها الغدرُ ؛ ولا يسودها الخير ؛ ولسنا بحاجةٍ إلى عالمٍ متوحشٍ مفترِس ؛ لا مكان فيه للفقراء ؛ ولا متسع فيه للبسطاء

ألا أيها الناسُ : الأهل والجيران والأحبابُ ؛ أينكمُ اليوم من ماضٍ عشناهُ وأحببناه ..؟

أينكمُ اليوم ..؟ عودوا فزيِّنوا دنيانا وطهِّروا بالحب عالمنا ؛ وكونوا لبعضكم كما كنتم أهلاً وإخواناً

الناس بحق يريدون العودة إلى روح تلك الحياة البسيطة البعيدة عن التكلف والحياة المادية التي ضيقت عليهم الخناق فجعلتهم لا يفكرون إلا بلغة الأرقام والحسابات
إنهم يريدون نوم الأسطح لأنهم كانوا يرون القمر والنجوم مباشرة ويتكلمون معها بهمس دافئ يعبرون فيها عن خلجات نفوسهم البريئة.

إنهم يريدون التخفف من غزو التواصل الاجتماعي الألكتروني الذي بات يطاردهم طوال اليوم

إنهم يريدون رؤية وجوه أهل الحي الحقيقيين بعيداً عن وجوه الغرباء

لا عجب إذن إن ازدادت نسبة السرقات والسطو على البيوت في عصرنا الراهن
لقد كنا في الماضي نترك بيوتنا مفتوحة بسبب الأمان الاجتماعي

في الماضي كانت للأم سلطة ؛ وللمُعلم سلطة ؛ وللمسطرة الخشبية الطويلة سلطة

في الماضي كان ابن الجيران يطرق الباب ويقول : أمي تسلم عليكِم وتقول لكم إتفضلوا تذوقوا طعامنا

في الماضي كانت الشوارع بعد العاشرة مساءً تجدُها فارغة
في الماضي كانت أبواب البيوت مشرعة للجيران والترحيب يُسمع من أقصى مكان ؛ أبوابها المفتوحة على مصراعيها من بعد شروق الشمس حتى بعد صلاة العشاء
كيف كنا وكيف أصبحنا ..؟

اختلفت العديد من العادات والتقاليد الجميلة فما كان بالأمس مصدر محبة وأُلفة واجتماع بات مصدر إزعاج وافتراق ؛ فأصبح الجار قد لا يعرف جاره الملاصق له ؛ وقد تمر السنين ولا يدخل أحدهما منزل الآخر ؛ وقد تمر الأيام والشهور ولا يلتقيان

زادت الأمراض النفسية وتفشت العزلة بين كثير من الناس حتى أصبحوا حاضرين بأجسادهم غائبين بوعيهم وإدراكهم .. فـ المشاعر شبه ميتة

لكن واقع الحال يؤكد أن هناك افتقاداً للناس الطيبين فعلا
هؤلاء من نقول عنهم
راحوا الطيبين .. فعلاً

هل للأخلاق والمشاعر الطيبة زمن محدد في التعامل ..؟
هل لها مدة وتنتهي صلاحيتها ..؟ أو وفق المظهر والمنصب والدرجة العلمية ؛ وأيضًا على حسب النسب والحسب ..؟
هل التعامل الراقي فقط لمن تتوفر فيه بعض هذه الأمور أو أحدها على الأقل ..؟

كارثة إنسانية أن يكون تعاملنا على هذه الأسس

سمعت إحدي السيدات ذات مرة في منظر محزن وهي تقول : نحن في زمن يحتاج منا أن نكذب من أجل المجاملة ؛ ونحب من أجل المال والمنصب
ثم ختمت : راح زمن الطيبين والطَّيِّبَات
راحوا الطيبين وراح زمنهم الطيب

لكننا نعيش دائماً ع الأمل حتي وإن إفتقدناه
ولكن : يبقي الأمل

 

Facebook Comments Box
المقال يعبر عن راي كاتبه دون ادني مسئولية علي الموقع

شاهد أيضاً

محمد بغدادي يكتب:السيسي مفتاح العودة ومالك قلوب المصريين

المصريين بجد-محمد بغدادي بعد سلسلة الأحداث الدامية التي شهدتها مصر إبان يناير 2011، شهدت الدولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Verified by ExactMetrics