مقالات

جيهان مأمون تكتب فى ” تابوت الاسرار” :(أمنتى) العالم الخفى عند المصرى القديم

جيهان مأمون-المصريين بجد

يتجلى فى مصر عنفوان الحياة و البيئة المتناقضة التى تحكمها الإزدواجية ، تترامى فيها أطراف الصحراء و يمتد في قلبها الوادى الخصيب ، ترويها مياه الفيضان و يجردها الجفاف من كساءها الأخضر ، تنشر الشمس الدفء فى أوصالها و تعتريها برودة الصحراء … تعايش المصرى القديم فى هذه البيئة الفريدة المتنوعة و تناغم معها فأطلقوا على أرضهم الأرضين و أطلقوا على ملكهم سيد الأرضين كرمز للتوازن بين الأضداد و عبروا عن تلك الإزدواجية برمزية الخير و الشر فرمزوا للخير بحورس الصقر و رمزوا للشر بست ، و رمزوا للحب بحتحور ورمزوا للبطش بسخمت ، و رمزوا للحياة بتاورت و رمزوا للموت بسوبك ، و رمزوا للفوضى بست و رمزوا للحماية بنفتيس …. و عاشوا فى الحياة الدنيا متطلعين للعالم الأخر …. الدوات …. ما يكمن وراء هذا الوجود العابر المؤقت… الدوات أو العالم السفلى ، مملكة الموتى الدوات بالنسبى للمصرى القديم هو عالم البرزخ الذى تذهب إليه الأرواح بعد الموت ، الغرب ، مآوى الموتى المنطقة الخفية حيث يحتشد الموتى عند مغرب الشمس ليلحقوا بموكب النور الأبدى ، فيه يعاقب فاعل الشر و فيه يمكث فاعل الخير فى سعادة ، ويطلق أيضا على الدوات إسم (أمنتى) أى المكان الخفى ودوات ( دوا ) تعنى مكان الشروق أو مكان خلق النجوم … و اعتبر قدماء المصريين أن الدوات منطقة وسطى بين عالم الأرض و العالم السماوى …. وأنه خلق قبل الأرض و قبل السماء و فيه خلقت النجوم و يعتبر صورة معكوسة من العالم المادى فهو عالم يخلو من المادة ، وأطلقوا على أوزوريس لقب (نب دوات ) أى ملك الدوات .. و آمنوا بأن الدوات هو العالم الذى يرتحل فيه رع قرص الشمس فى رحلته الليلية التى تبدأ من الأفق الغربى و تنتهى فى الأفق الغربى … رحلة الروح فى الدوات تعتبر من أخطر التجارب التى يمر بها الانسان لإنه يقابل كائنات مخيفة و عليه أن يمر من أبواب السماء و عند المرور من كل بوابة يقابل حارس البوابة الذى يختبر معرفته الروحية … ومن أهم الكائنات التى يقابلها المرتحل فى الدوات هو (باحر) المعداوى ….الذى يمتلك قارب فالقارب هو وسيلة الانتقال الأساسية فى العالم الآخر و (با حر) ينظر دائما للخلف لأنه لن يستطيع الركوب معه فى المركب إلا عدد قليل من الناجين … مفهوم البرزخ متأصل فى كل الديانات السماوية … لغويا ….البرزخ هو الحاجز بين الشيئين الذى يمنع إختلاطهما و إمتزاجهما يقول الله عز و جل: * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * المؤمنون :100 فى الدين الإسلامى …. عالم البرزخ هو عالم يفصل بين الحياة الدنيا والآخرة ولا بد للإنسان من المرور به كمقدمة ليوم القيامة ، أرواح الصالحين تستقر في الدرجات العليا في عالم البرزخ وتتنعم بنعم كثيرة وحسب تعاليم الديانة المسيحية … تذهب الأرواح التي إرتكبت أخطاء غير مميتة إلى (المطهر) وهو نفس مفهوم البرزخ نص مصرى قديم : ” إنها دار الحق التى لا خوف فيها حيث لا شقاق و لا خصومة و لا عداء و لا أعداء ، هنا يرقد أهلنا جميعا منذ السنين الأولى و إلى هنا سيأتى الجميع بعد ملايين السنين”

مقالات ذات صلة
Facebook Comments Box

اظهر المزيد
المقال يعبر عن رأي كاتبه دون أدني مسئولية علي الموقع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by ExactMetrics