أعمدة الهدي:معروف الكرخي
خالد الشناوي -المصريين بجد نيوز
القطب الكبير والشيخ الجليل أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي مِحرِم حرم العرفان ، مأخذ الطريقة والإيقان ، شيخ أهل العلم والصوفية ، جامع الكمالات العلية لأستار الأسرار .أحد علماء أهل السنة والجماعة ومن أعلام التصوف السني في القرن الثاني الهجري في بغداد، ومن جملة المشايخ المشهورين بالزهد والورع والتقوى، وصفه الذهبي بـ “علم الزهاد بركة العصر” صحب داود الطائي، وسكن بغداد. يذكر أن أخاه عيسى قال ( كنت أنا وأخي معروف في الكتاب وكنا نصارى وكان المعلم يعلم الصبيان ( أب ، وابن ) فيصيح أخي معروف : أحد أحد ، فيضربه المعلم على ذلك ضرباً شديداً حتى ضربه يوماً ضرباً عظيماً فهرب على وجهه فكانت أمي تبكي وتقول : لأن رد الله عليَّ أبني معروفاً لاتبعنه على أي دين كان فقدم عليها معروف بعد سنين كثيرة ، فقالت له : يا بني ، على أي دين أنت ؟ قال : على دين الإسلام . قالت : أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله . فأسلمت أمي واسلمنا كلنا كان الشيخ معروف الكرخي مجاب الدعوة وكان كثير الصيام والمجاهدة وكان كثير الكرامات ، منها : أنه كان يمشي على الماء ، فقيل له أنك تمشي على الماء . فقال : ما مشيت قط على الماء ولكن إذا هـممت بالعبور ، يجمع لي طرفاها فاتخطاها . وعن إبراهيم بن الاطرش قال : كان معروف الكرخي قاعداً على دجلة ببغداد ، إذ مرّ بنا احداث في زورق يضربون الملاهي ويشربون ، فقال له اصحابه : أما ترى أن هـؤلاء في هـذا الماء يعصون الله ؟ ، ادع عليهم . فرفع يده إلى السماء وقال : الهي وسيدي ، أسألك أن تفرحهم في الجنة كما فرحتهم في الدنيا . فقال له أصحابه ، ألم قلنا لك ادع عليهم ، لم نقل لك ادع لهم . فقال : إذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا ولم يضركم شيء . عن عامر بن عبد الله الكرخي أنه قال : كان في جواري نصراني فقال لي : ما حصلت من عمري ثمرة ولا ولد لي فأنطلق إلى ولي ليهب لي ربي ولداً فأتيت به إلى مجلس معروف الكرخي فذكرت حاله ، فكلفه أولا بالإسلام فقال النصراني : ما تقدر على إسلامي بغير هـداية الله تعالى . فدعا الشيخ ورفع كفيه وقال : اللهم أنى أسألك أن ترزقه ولداً يكون باراً بوالديه ويكون سبب إسلامهما . فاستجاب الله دعوة الشيخ ، وولد له ولد فشب وصار لايقاً للتعليم فأجلسه أبوه عند معلم ، فقال المعلم : القلب ما أقول ، فقال الولد : لساني عن التثليث معقول وقلبي بحب الواحد مشغول . فقال المعلم : حصل الذي عليه ملتك ودع الذي لا دليل له فإن لساننا كليل عن ذلك . فلما ابتدأ بحروف الهجاء قفا كل حرف بتوحيد الله تعالى فوافق التوفيق المعلم فأجرى كلمة الشهادة في قلبي وذهب بالصبي إلى أبويه ووصف لهما فطنته وذكاءه وكمال عقله واستدلاله ودعاهما للاسلام فكسرا الصليب واسلما وتبعهما قدر خمسمائة نفس للاسلام . فهذا ببركة رعاية وفيض انفاسه لذلك الصبي . يقول عنه تلميذه الصوفى الكبير السرى السقطى: هذا الذى أنا فيه من بركات معروف انصرفت من صلاة العيد فرأيت مع معروف صبياً شعثاً، فقلت: من هذا؟ قال: رأيت الصبيان يلعبون وهذا واقف منكسر فسألته: لمَ لا تلعب؟ قال: أنا يتيم، قال سرى: فقلت له: فما ترى أنك تعمل به؟ قال: لعلّى أخلو فأجمع له نوى يشترى بها جوزاً يفرح به، فقلت له: أعطنيه أغير من حاله، فقال لى: أوَتفعل؟ فقلت: نعم، فقال لى: خذه أغنى الله قلبك، فسويت الدنيا عندى بأقل من كذا. وفى رواية أخرى، قال العباس بن مسروق: بلغنى أن السرى السقطى، كان يتجر فى السوق وهو من أصحاب معروف الكرخى، فجاء معروف يوماً ومعه صبى يتيم، فقال له: أكْسُ هذا اليتيم قال السرى: فكسوته، ففرح به معروف وقال: بغَّضَ الله إليك الدنيا وأراحك مما أنت فيه. فقمت من الحانوت وليس شىء أبغض إليَّ من الدنيا، وكل ما أنا فيه من بركات معروف.سكن الكرخى بغداد ومات فيها ودُفن عام 200 هـ، 815 م، فى مقبرة الشونيزية على جانب الكرخ من بغداد، وسميت فيما بعد «مقبرة الشيخ معروف». ويقول ابن نباتة فى «سرح العيون»، شيعت بغداد فى ساعة واحدة معروف الكرخى وأبا نواس، وربما دُفنا فى مكان واحد. وقال أبو العتاهية: تُوفى أبو نواس ببغداد سنة مائتين هو ومعروف الكرخى فى يوم واحد، فخرج مع جنازة معروف ثلثمائة ألف، ولم يخرج مع جنازة أبى نواس غير رجل واحد، فلما دفن معروف، قال قائل: أليس جمعنا وأبا نواس الإسلام! ودعا الناس فصلوا عليه، فرئى فى المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لى بصلاة الذين صلوا على معروف وعليَّ.