يقع المسجد في مدينة “القطائع” عاصمة مصر الإسلامية في عصر الدولة الطولونية، التي شيدها أحمد بن طولون، الذي يعني اسمه باللغة التركية “البدر الكامل”.
ولد أحمد بن طولون في بغداد بالعراق عام 220هـ/835م، وحضر إلى مصر وقلده الخليفة المعتمد حكم مصر عام 254هـ/868م، ونهض بشؤون الدولة فشيّد القناطر والسدود، وأصلح مقياس النيل بالروضة عام 259ﻫ، وبنى القصور، وازدهرت الصناعة في عهده، وتوفي عام 270هـ/884م، ودفن بمدافن الطولونيين بالمقطم، وتولى الحكم من بعده ابنه “خمارويه”.
وعن التخطيط العمراني للمسجد”يتبع تخطيط المساجد الإسلامية الجامعة المنشأة على طراز مسجد النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وهو مربع الشكل يتوسطه صحن كبير مكشوف تحيط به 4 أروقة ذات عقود، أكبرها (رواق القبلة) ويتكون من 5 صفوف من البوائك، تحمل عقودها المدببة على دعامات ضخمة مبنية من الآجر، وفي أركانها أعمدة مدمجة، فيما تحتوي كل من الأروقة الأخرى على صفين من البوائك ذات العقود المدببة أيضاَ، وقد أضيفت إليه زيادات بواجهاته الثلاث الجنوبية والغربية والشمالية، فيما خلت الواجهة الشرقية من تلك الزيادة، والغرض منها لعقد الأسواق أيام الجمعة، وعقد جلسات المحاكم بها”.
أما التصميم المعماري للمسجد،فهو “يحتوي على أسوار عالية تُحيط به وتتسم بالبساطة، وتنتهي بشُرفات بديعة، وعدد كبير من الأبواب يبلغ تعدادها 21 باباً، وعدد أكبر من النوافذ يبلغ 129 نافذة، وعدد 5 محاريب جصية، أقدمها يعود لعهد الخليفة الفاطمي (المستنصر بالله)، أما المحراب الرئيسي الذي يتوسط جدار القبلة فيعود إلى عهد السلطان المملوكي حسام الدين لاجين، ويعد من المحاريب المجوفة، ويكتنفه عمودان من الرخام، ومزخرف بوزرات رخامية، كما يشتمل المسجد على نص كتابي بخط النسخ به عبارة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله)”.
“المنبر من أعمال السلطان المملوكي حسام الدين لاجين، من خشب الساج الهندي، ويقع على يمين المحراب، وتتميز حشواته بأنها مُجمعة ومُطعمة بالعاج وسن الفيل، وقوام زخارفها أطباق نجمية وزخارف نباتية مورقة (آرابيسك)، ومئذنة مبنية من مادة الحجر، وتقع ملاصقة لحائط الزيادة الغربي، وسلمها خارجي ذو أربع قلبات، يُصعد منه إلى السطح، يليه سلم حلزوني نصف دائري، والجزء العلوي على هيئة مبخرة، كما يميزه زخارف جصية تحتوي على عناصر نباتية وهندسية تُمثل أقدم الأمثلة لمثل هذا النوع من الزخرفة في مصر الإسلامية”.
يوجد بالمسجد فسقية من الرخام تتوسط الصحن المكشوف، يشتمل على لوح رخامي تأسيسي سُجل عليه بالخط الكوفي البسيط اسم الأمير أحمد بن طولون، وتاريخ الإنشاء على إحدى دعائم رواق القبلة بالبائكة الثالثة، كما يحتوي على شريط كتابي قرآني يقع أسفل السقف تمثل أكبر سورتين في القرآن الكريم (البقرة وآل عمران)، ومكتوب بالخط الكوفي، وتعد سمة الكتابة الكوفية في العصر العباسي”.
بناه مهندس مقياس النيل بجزيرة الروضة، واسمه محمد بن أحمد الحاسب بن كثير الفرغاني، من فرغانة في آسيا الوسطى”.
جامع ابن طولون شهد حدثاً تاريخياً في العصر المملوكي ساعد على بقائه صامدًا حتى الآن، حينما احتمى السلطان حسام الدين لاجين بمئذنة الجامع بعد اكتشاف مؤامرة لقتله، وعندما شعر بأن المئذنة تتمايل به يميناً ويساراً، دعا ربه يطلب النجاة، واستجيب لدعائه ونجا من المؤامرة، وأصبح سلطانا لمصر عام 696هـ، وأول ما فعله بعد نجاته كان ترميم وتجديد جامع أحمد بن طولون، لذلك تعد بصمات السلطان حسام الدين لاجين في الجامع سر بقاء معالمه الأثرية والزخرفية حتى الآن، كما أن الجامع به منبر من الخشب من عمل السلطان لاجين يعد من أقدم وأجمل المنابر في القاهرة”.