مقالات

ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء في وزارة التربية والتعليم

11755711_501922103306120_2976442332815320734_nبقلم: اللواء/ عبد الحميد خيرت

إذا كانت المقولة الفرنسية الشهيرة تعلمنا أن “التاريخ لا يكتبه إلا المنتصرون” إلا أننا يمكن أن نضيف أيضاً أن هناك أيضاً الخونة والمزوّرون والأفاقون والجهلة.

مقالات ذات صلة

فالتاريخ، ليس ملكاً لمزاج أو شخص أو أهواء جماعة، ولكنه ذاكرة شعب ودروس أمة، ينبغي استيعابها واحترامها مهما اختلفنا حول شخوصه أو وقائعه. ومشكلتنا نحن المصريون، أننا لا نجيد كتابة تاريخنا، ولا نعرف كيف نسوّقه ـ حتى مع أنفسنا ـ لنستفيد منه أو نتعلم من سلبياته وإيجابياته، ونعيش دائماً في الماضي، تأسرنا إخفاقاته، ولا نحاول أبداً أن نطوّر من إنجازاته

حتى مقولة أننا بلد حضارة الـ7 آلاف سنة، لا زلنا نعيش على ذكرى ما تركه له أجدادنا القدماء الذين تركوا لنا ثلث كنوز الدنيا التاريخية، ومع ذلك فشلنا طيلة أجيال عديدة، حتى في الترويج لها سياحياً واقتصادياً بالشكل اللائق، وباتت مقولة أن “الفراعنة بنوا لنا الهرم.. فكان إنجازنا الوحيد أننا أقمنا شارع الهرم” هي المأساة الأصدق على كل سلوكياتنا وأفكارنا.!

من هذه “الخيبة التقيلة” يأتي ما دار مؤخراً من حذف وزارة التربية والتعليم لاسم الرئيس الأسبق حسني مبارك من كتب ومناهج مادة التاريخ، كعمل غير أخلاقي، ونفاق رخيص لا يليق بمصر في مرحلتها الراهنة التي تحاول فيها إعادة الاعتبار لكل قيمها المفقودة سياسياً واجتماعياً وأخلاقياً وسلوكياً، منذ مرحلة 25 يناير 2011.

مهما اختلفنا أو اتفقنا حول أداء الرئيس مبارك كرئيس، لكن لا يمكن أبداً أن نتخلى عن الحد الأدنى من “نبل الاختلاف” ونسقط الرجل تماماً من الذاكرة الوطنية، كواحد من أبرز أبطال حرب أكتوبر المجيدة، وكمشارك رئيسي فيها.

مهما تشنج البعض من أتباع الثورجية المزيفة، فإنهم حتى وإن حذفوا اسم الرجل من على محطة مترو، أو مدرسة، فإنهم لا يمكن أن يحذفوا 30 عاماً من حكمه، و30 عاماً من عمرنا، نحتاج فيها لقراءة منصفة وهادئة وموضوعية تتوازى مع الظروف الإقليمية والملابسات الداخلية وقت حكمه، وليس وقتنا الآن

مصيبتنا السوداء “والمنيلة بنيلة” أننا بارعون جداً في شطب مراحل تاريخنا بشكل ما، حسب أهواء بعض من اعتقدوا أنهم يملكون التاريخ، وبالتالي يحق لهم تزويره، ولكن الأيام وحدها هي من تعيد الحق إلى نصابه، وهذا ما يجب أن نتعلمه بشدة

كل جيلنا، نشأ ودرس وتعلم في كتب المدرسة.. أن أول رئيس لمصر بعد ثورة 23 يوليو، كان جمال عبد الناصر، وبعد قرابة ربع قرن اكتشفنا أن أول رئيس كان محمد نجيب، الذي حددت إقامته، ونزع اسمه، وعاش في إقامة جبرية حتى أواخر أيام حياته عندما أعاد اعتباره الرئيس الأسبق مبارك.!

كل جيلنا، درس وتعلم أيضاً في كتب المدرسة.. أن الملك فاروق كان فاسداً، و”خمورجي وبتاع نسوان”.. ثم اكتشفنا فجأة بعد نصف قرن، أن كل هذه الدعاية السوداء مبالغ فيها إن لم تكن غير صحيحة، وظهرت أفلام وكتب تعيد الاعتبار للملك فاروق.!

كل جيلنا درس وتعلم، أن فساد الحياة السياسية في العهد الملكي كان من أسباب قيام ثورة 23 يوليو، ولكننا بعد عقود اكتشفنا أنه كانت هناك حياة ديموقراطية، وتداول سلطة بين الأحزاب ـ مهما كانت المآخذ أو السلبيات ـ للأسف غير موجودة حتى اليوم.

ـ من فعل بعقولنا ذلك.؟

ـ من مارس الكذب والتدليس والتزوير علينا.؟

ـ من كتب لنا تاريخنا بهذا الشكل الانتقامي الذي تلاعب بعقولنا وباع لنا “العتبة الخضرا” في كتبنا المدرسية، وبرعاية وزارة حكومية.

إنه بالتأكيد، منافق وجبان ومزوّر كبير، هو ذاته الذي فعلها “كبيرهم” ذات يوم، حينما زوّر ذكرى انتصار أكتوبر العظيم، ومنع أبطاله من الحضور، واستحضر كل قتلة قائده الراحل أنور السادات ليكونوا على المنصة وكأنهم أبطال الحرب ودعاة السلام.

اختلفوا حول مبارك ما شئتم، فهو قد أصبح في ذمة تاريخ يسجل له حسناته وسيئاته، ولكن لا ينبغي أبداً أن نكون كالقطة التي تأكل أولادها، فالرجل ذاته ارتضى حكم التاريخ “المنصف” عليه وعلى مرحلته بما له وبما عليه، وقالها على الهواء في جلسات محاكمته

اختلفوا حول مبارك ما شئتم، ولعلكم اليوم أدركتم الفارق بينه كرجل دولة، يؤمن بمؤسساتها ويحترم أحكامها وقضاءها، واحترم رغبات شعبه وتنحى دون تهديد أو وعيد أو “دونها الرقاب”، وبين من خلفه ـ محمد مرسي ـ الذي رأيناه بهلوانا في جبلاية قرود، وكما فعلت جماعته من إرهاب وقتل وعنف لا يزال حتى الآن.

صدقوني أيها السادة..

مبارك، وهو في هذا السن الطاعن، ليس في حاجة لأن يُطلق اسمه على مدرسة، أو محطة مترو، أو حتى لا تذكره كتب تاريخ مزورة، الكارثة أننا نحن الذين في أمسِّ الحاجة لأن نكون صادقين مع أنفسنا ولو لمرة واحدة، نحكي لأبنائنا ونعلم أحفادنا تاريخنا بكل ما فيه من دروس وعبر، دون تزييف أو تغييب.

اكتبوا عن الرجل بموضوعية وبعيداً عن الأهواء الثأرية والشخصية ومجاملة من أطلقتم عليها “ثورة” ولكنها في الحقيقة “مؤامرة” اتضحت معالمها بعد فوات الأوان، وها نحن ومعنا المنطقة كلها تدفع الثمن المرير.

اكتبوا ما شئتم، فمن تغتالونه الآن، سيأتي يومٌ نعرف فيه ـ كما عرفنا متأخراً ـ كم نحن ظالمون ومفترون.!

اكتبوا وزوروا وبيعوا واشتروا، فذات التاريخ الذي تلوثونه سيكتب عليكم أنكم مهما كنتم.. وأينما كنتم.. مجرد حفنة من الكاذبين..!

وأخيراً..

ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء في وزارة التربية والتعليم.؟!

Facebook Comments Box

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by ExactMetrics