المصريين بجد
التوبة إلى الله من الأخلاق التي ينبغي أن نتخلق بها، التوبة في اللغة العود والرجوع, يقال: تاب إذا رجع عن ذنبه وأقلع عنه. وإذا أسند فعلها إلى العبد يراد به رجوعه من الزلة إلى الندم, يقال: تاب إلى الله توبة ومتابًا: أناب ورجع عن المعصية, وإذا أسند فعلها إلى الله تعالى يستعمل مع صلة (على) يراد به رجوع لطفه ونعمته على العبد والمغفرة له, يقال: تاب الله عليه: غفر له وأنقذه من المعاصي. قال الله تعالى: (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة:118].
وفي الاصطلاح التوبة هي: الندم والإقلاع عن المعصية من حيث هي معصية، لا لأن فيها ضررًا لبدنه وماله, والعزم على عدم العود إليها إذا قدر.
وعرفها بعضهم بأنها: الرجوع عن الطريق المعوج إلى الطريق المستقيم.
وعرفها الغزالي بأنها: العلم بعظمة الذنوب, والندم، والعزم على الترك في الحال والاستقبال والتلافي للماضي.
وهذه التعريفات وإن اختلفت لفظًا هي متحدة معنى. وقد تطلق التوبة على الندم وحده إذ لا يخلو عن علم أوجبه وأثمره وعن عزم يتبعه, ولهذا قال النبي ﷺ: «الندم توبة» [رواه أحمد، وابن ماجة، وابن حبان، والبيهقي في الكبرى، والحاكم في المستدرك]، والندم توجع القلب وتحزنه لما فعل وتمني كونه لم يفعل.
التوبة من المعصية واجبة شرعًا على الفور باتفاق العلماء; لأنها من أصول الإسلام المهمة وقواعد الدين, وأول منازل السالكين, قال الله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31]. ويقول رسول الله ﷺ: (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) [رواه أحمد والترمذي وصححه الحاكم في المستدرك].
والتوبة حالة نقد ذاتي، وحالة من مراجعة النفس، وحالة من الرقابة الداخلية، فإذا ما سمعنا هذه الألفاظ النقد الذاتي ومراجعة النفس ومحاولة الرقابة ظننا أنه هذه الألفاظ لا علاقة لها بالتوبة؛ لأن مفهوم التوبة قاصر عند أغلب الناس على الإقلاع عن معاص بعينها، وليس الأمر كذلك، بل التوبة سمة روحية وقلبية تنشئ المسلم الحريص على أمر دينه ودنياه.
والتوبة إلى الله عقد بين العبد وربه يلزمه بعدم العودة إلى الذنب مرة أخرى، وحيث أن العصمة من الذنب ليست في مقدور أحد، وإنما هي محض تفضل من الله إن أرادها لك، لذلك تقدم الاستغفار، فالاستغفار فيه طلب المعونة، فتطلب من الله أن يغفر لك ثم ترجع إليه في سلوك قويم وتراقب سلوكك حتى لا تنقض العهد، وتلمس منه سبحانه أن يعينك على الالتزام بذلك العهد.
والإنسان يحتاج للتوبة دائمًا لأن الله قد أمر بتوبة مخصوصة وهي التوبة النصوح فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم:8].
والتوبة فلسفة كبيرة في عدم اليأس، وفي وجوب أن نجدد حياتنا وننظر إلى المستقبل، وأن لا نستثقل حمل الماضي، وإن كان ولابد أن نتعلم منه دروسًا لمستقبلنا، لكن لا نقف عنده في إحباط ويأس، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. التوبة فيها رقابة ذاتية تعلمنا التصحيح وتعلمنا التوخي والحذر في قابل الأيام، وهي من الصفات المحبوبة فلنجلعها ركنًا من أركان الحب.
أ.د. #علي_جمعة