جيهان مأمون تكتب:شجرة الحياة تبوح بأسرار الحياة
المصريين بجد-جيهان مأمون
الشجرة تضرب بجذورها فى الأرض و تعلوا أغصانها فى السماء فتجمع بين ماديات الأرض و روحانيات السماء …
تشكل الأشجار جزء من تراث مصر البيئى ، فالشجرة كنز ومصدر غذائى للإنسان و الحيوان و الطير ، الشجرة ثروة البيئة التى تنقى الهواء ، وتعد راحة للنفس بلونها الاخضر و طاقتها المتجددة ….
يقول المؤرخون أن اشجار الجميز كانت حاضرة بقوة فى كل أحياء مصر السكنية ، و أن أشجار الصفصاف التى تشبه فروعها لشعر البنات كانت تحف ضفاف كل الترع ، غرس قدماء المصريين أشجارهم المقدسة نخيل دوم ، سنط ، سرو ، مخيط (إيشد) ، أزهار اللوتس ، نبات البردى .فى كل شبر من أرض مصر المباركة فصنعوا أعظم حضارة فى العالم القديم …..
من الرموز الكونية الحاضرة فى معظم الثقافات القديمة مفهوم (شجرة الحياة) التى تمثل قوة الحياة و قوة الوجود ، و تربط بين المقدس و الطبيعة و بنو البشر … سدرة المنتهى هى شجرة عند جنة المآوى ، شجرة الكون عند محي الدين بن عربى تعد نموذج للوجود مجتمع ، شجرة العطاء فى المسيحية لا تذبل أوراقها ، شجرة الإيشد فى مصر القديمة رمز للخلود ….
عاش المصرى القديم بين أحضان طبيعة غنية ، نهر النيل ، الصحراء ، الدلتا فقدس حرمة الطبيعة ، حافظ على البيئة ، احترم قداسة الوجود الإلهى فى كل شىء وابتكر لغة الرمز فجسد كل أفكاره فى أشكال اقتبسها من الطبيعة ، وصنف كل كل الفضائل التى يجب أن يلتزم بها فى حياته على شكل رموز أطلق عليهم ….نترو …النترو هم قدرات و تجليات و صفات الإله الواحد الأحد فى الكون ….
فمثلوا لقوة النور …برع بقرص الشمس
و مثلوا لقوة الحب …بحتحور
و مثلوا لقوة الحكمة …بتاهوت
و مثلوا لقوة الخضار والبعث….بأوزوريس
و مثلوا لقوة الحماية و الطبيعة ….بإيزيس
آمن قدماء المصريين بأن كل النباتات و الأشجار و الأزهار فى الكون تتجلى فيها قدرات (النترو) ، فكل شجرة تنمو على أرض مصر تتجلى فيها قدرة إلهية قادرةعلى الشفاء ، فربطوا بين الأشجار و النباتات المقدسة و بين مفهوم النترو …
الجميزة و حتحور …..ربط قدماء المصريون بين شجرة الجميز و بين مفهوم الأم الكونية التى تطعم أرواح الصالحين من ثمار الجميزة االمقدسة عند البوابة الشرقية فى السماء ، فارتبطت حتحور رمز الحب و الموسيقى و الجمال و السكن بشجرة الجميز التى أطلقوا عليها إسم …نيهيت….
الصفصاف و أوزير …..أوزير من أهم رموز الحضارة المصرية القديمة ، جمع بين نقيضين فكان يرمز إلى الموت (البعث) ، و فى نفس الوقت يرمز إلى الميلاد الجديد (اللون الأخضر ) و الإنبات …
ارتبط أوزير بشجرة الصفصاف ، و نشأ تقليد مصرى جميل بغرس شجرة كل عام عند معبد أوزير فى العرابة المدفونة بسوهاج و غرس فروع أشجار الصفصاف حول المعبد …
شجرة السنط و إيزيس …..إيزة هى أهم رمز نسائى فى الحضارة المصرية القديمة ، معنى إسمها المتربعة على عرشها فهى الأم الكونية سيدة جميع عناصر الطبيعة التى تحمل عرش مصر فوق رأسها و تهبه لكل ملك من ملوك مصر القديمة و تقوم بحمايته ، ربط المصريون القدماء بين إيزيس و بين شجرة السنط لانها تحولت فى الأسطورة لحدأة هبطت فوق شجرة سنط ….
ارتبط رع (قرص الشمس) بزهرة اللوتس ، و شجرتى الإيشد و المورينجا …رع هو قوة النور الظاهر الكامنة وراء قرص الشمس ، يرتحل رع كل يوم فى قارب الشمس ويبحر فوق صفحة السماء ، و بعد الغروب يبحر كل ليلة إلى عالم الدوات (عالم الموتى السفلى ) …فارتبطت زهرة اللوتس برع لانها تضم فى قلبها دائرة صفراء اللون تشبه لرع ، و فى أسطورة الأشمونيين ولد قرص الشمس من قلب زهرة لوتس خرجت من مياه الأزل (النون ) …
و اعتبر قدماء المصريين أن زهرة اللوتس تتبع نفس إيقاع رع و حركة الشمس ، فهى تولد من جديد كل صباح ، مع الشروق تخرج من تحت المياه وتتفتح أوراقها مع ضوء الشمس و عند الغروب تغطس تحت الماء فى الظلمة بعد أن تغلق أوراقها…
ارتبط رع أيضا بشجرة المورينجا المتعددة الفوائد مثل الشمس فهى تجمع كل قوى الحياة و كل الفوائد التى يحتاجها الإنسان فى شجرة واحدة ….
كما ارتبط رع بشجرة الإيشد … شجرة الحياة … جذورها فى الأرض ( العالم المادى ) و فروعها فى السماء (العالم الروحى) و كان يتم كتابة إسم ملك مصر على أوراق شجرة الإيشد لكى يتم تخليد إسمه إلى الأبد ، يطلق علي هذه الشجرة اليوم شجرة المخيط و هى موجوده بأعداد قليلة جدا فى صعيد مصر …
نخلة الدوم و تحوت ….تعد نخلة النوم رمزا للعالم الأخر فى الفكر المصرى القديم لذلك كان الكثير من التوابيت تصنع خصيصا من شجر الدوم ، كما أن تحوت هو من يقوم بوزن أعمال الناس فى محكمة الأخرة ، فهو القائم على الميزان …
نبات البردى و حتحور ووادجت ….أطلق قدماء المصريين على نبات البردى إسم (واج) فهو يحوي معنى الخضرة والنضارة ، ارتبط نبات البردى برمزين من أهم رموز الحضارة المصرية القديمة حتحور التى قامت بإرضاع (حور أر) حورس الرضيع بين أحراش البردى عندما ذهبت إيزيس لتجمع أجزاء جسد زوجها كما تقول الأسطورة ، فصار البردى صولجانا (الوادج) على شكل عود بردى مشتق من (واج) البردى و معناها الأخضر عصا لحتحور ….. و ارتبط نبات البردى أيضا ….بوادجت … الحية ربة التاج الأحمر ، تاج الوجه البحرى التى تعيش فى مستنقعات البردى ، معنى إسمها وادجت (الخضراء )، و رمزها هو عود البردى الأخضر…
فلتعود مصر خضراء بأشجارها القديمة الأصيلة بجوار أشجارها الحديثة لتظل دائما و أبدا هبة النيل ..
