حقوق النشر محفوظة للكاتب
مقالات

جهاد أسعد تكتب:” حافة الجُنون “

 جهاد أسعد -المصريين بجد
” كلٌ يُغني على ليلاه ” ألقتها بإستهزاء و هي تطُل من شرفة حجرتها ، لترى ما اختبأ خلف الجدران و سمح لها ارتفاع طابق سكنها من رؤيته بوضوح ، كمن يشاهد فلماً ثلاثي الأبعاد ، فهناك يجلس صبيٌ لم يُدرك من مصاعب الدُنيا كثيراً و لكن بدا كمن سُلبت منه براءة الطفوله ليُمنح عوضاً عنها ضيق و حُنق غزا معالم وجهه ، تجلس بجواره والدته الّتي تُقلب بإحدى يديها في إحدى المجلات الشهيره بنشر أحدث صيحات الموضه ، واضعه يدها الأخرى ع بعد عدة سنتيمترات عن فمها لتُخرج منه الهواء ليجفف طلاء أظافرها غير عابئه من يجلس بجوارها بعدما نهرته لأنه تسبب في اهتزاز فرشاة ” المانيكير ” في يديها . و هناك تجلس أمرأة تُمسك بكلتا يديها هاتفها منغمسه في عالم الإنترنت غير عابئه بهيئة زوجها المُنهك ناظراً إليها من حين إلى آخر علّها تُعيره اهتمامها في مرضه كما تُعير هاتفها انتباهها حين يصيبه مكروه . أما هناك فرجلٌ يجلس بمكتبه و يتحدث في هاتفه متلفتاً حوله كاللصوص ، فتدخل زوجته لينتفض ملقياً الهاتف من يدُه ، فتُلقي عليه نظرة لوم و عتاب و ترحل في صمت ، ليرفع الهاتف ثانيةً و يُكمل ما قد بدأه و كأن شيئاً لم يكن . و هناك رجلٌ ينهال ضرباً على زوجته التي علا صراخها فباتت تسمعه بوضوح ، و كذلك الجيران المجاورون للزوجه ، و لكن لم يتدخل أحد ، فهو مشهد معتاد يومياً . و تلك فتاه تجلس في كامل زينتها مع رجلٍ علّه يكون زوجها في يومٍ ما ، فهو لم يأت إلا لُخطبتها ، و ستوافق لإسكات تلك العيون التي تتربص لها مُحذرةً إياها من الرفض فما كانت إلا عيون والدتها العجوز . و هناك صبي و فتاه و رجلٌ و امرأه و عجوزٌ و شيخ .. هناك الكثير خلف الجُدران ، هُناك الكثير من الخبايا ، تفيق لترى أن الوقت قد تجاوز الثانية صباحاً و أن جميع الشُرفات مُغلقه عدى شُرفتها ، لتجد أن ما رأته لم يكُن سوا حياتها متسلسله تنازلياً في مشاهد عديده ، انسالت دموعها في هدوء و استكانه منها ، غير عابئه بأنها من كرهت البُكاء كثيراً ، فما هي إلا – غير عابئه – جديده تُضاف لقائمة الغير عابئات الخاصه بها لم تعبأ يوماً بشئ .. لا تعلم أهي سبب ما آلت إليه أم هم السبب ، دائماً كانت ترى نفسها أسوأ مما يظنون ، لم تقتنع يوماً بمدحهم في جمال ملامحها ولا في خفة روحها ، ولا رشاقة جسدها ، ولا في اخلاقها ، كانت دائماً تعلم أنهم لا يروّن منها سوا الجانب الذي تريدهم أن يروه ، و إنما هيّ فدائماً ما تتزين بمساحيق التجميل لتبدو اجمل و أصغر سناً و ليس فقط لتزيين وجهها كسائر النساء ، و كانت ايضاً دائمة المحاوله لإظهار خفة دمها رغم أنها لا تملك منها الكثير ، و ايضاً أهلكت نفسها في أنظمة غذائيه قاسيه ارهقتها هيّ فقط لتبدو كما يروّنها الآن ، أما الأخلاق فلا داعي للكلام .. رأت نفسها في أسوأ صورها و رأوها في أبهى الصور .. سترها الله و لم تحمده .. بل قلبت حياتها رأساً على عقب كمن يبحث عن الخراب بيده ، تزوجت من رجلٌ لم تره مناسباً لها لكن فقط هي تعدت الثلاثون عاماً و يجب ان تسرع في الزواج من آي رجلٌ يدخل من عتبة بابهم ليطلبها هذا ما قالته والدتها كثيراً ، فتزوجت بمن انعدمت أخلاقه ، علم عنها ما خفي عن الناس فانهال عليها ضرباً ، لم تُشبعه فخانها ، فازدادت بإهمالها ، حتي أطاح إهمالها بفلذة كبدها فمات ضحيةً لأم لم تكُن أماً و أب لا يمتُ للأبوة بصله . لم تستطع كبح زمام أمرها عند ذلك الحد فانفجرت في نوبة من البكاء تلتها ضحكات هيستيريه لتأتي إحدى الممرضات مُسرعه إليها صارخه بها متسائله كيف وصلت إلى هنا ، دفعتها بكُل ما أوتت من قوة ، و نظرت سريعاً إلى الخلف فوجدت أن تلك ليست بحجرتها ولا بنايتها ، فما هو إلا مكان امتلأ باللون الأبيض فضحكت قائلة ” تُراني دخلت الجنه ” لم تستطع الممرضه بجسدها الهزيل الإمساك بها مجدداً فصرخت مستنجده فما كاد يصل من يعاونها ، حتى وقفت السيده ذات الأربعون ربيعاً فوق سور الشُرفة العريض ، مُلقية بنفسها من الأعلى صارخه ” لا أستحق جنتكم ، أنا سيئة للغايه ” .. لتكُن النهاية ، فما غنى أحدٌ على ليلاه إلاها
Facebook Comments Box

اظهر المزيد
المقال يعبر عن رأي كاتبه دون أدني مسئولية علي الموقع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by ExactMetrics