المصريين بجد
على بعد 500 كم من مدينة القاهرة ….. وبالتحديد فى مدينة نوبيع التى تقع اقصى شرق سيناء على خليج العقبة … والتى كانت مسرحا لملحمة تجمع ما بين المهنية والانسانية …. تدور احداث تلك الملحمة الفريدة حول محاولة انقاذ سمكة نادرة تعرضت لافتراس احدى زعانفها من احد الكائنات البحرية المفترسة …. والتى دفع بها القدر الى شاطىء احدى القرى السياحية بمدينة نويبع لتنسج خيوط قصة فريدة من نوعها على مستوى العالم
تلقت محمية أبو جالوم بجنوب سيناء….. بلاغاً عن وجود سمكة تطفوعلى سطح الماء بوضع افقى أمام شاطىء إحدى القرى السياحية بنويبع….. تبدو اسمكة غير مألوفة الشكل كما وصفها صاحب البلاغ
وفور تلقى البلاغ توجه فريق من الباحثين من محمية ابو جالوم وبعض المتطوعين إلى موقع البلاغ للمعاينة …… اكتشف فريق الباحثين أنها سمكة الشمس التى تصنف من اكبر الاسماك العظمية على كوكب الأرض….. وتعيش سمكة الشمس او سمكة المولا مولا كما يطلق عليها عالميا فى اعماق تصل الى 600 متر تحت سطح البحار والمحيطات ….. لذلك يندر مشاهدتها بالقرب من سطح البحر
تبين لفريق البحث فقدان السمكة لواحدة من زعانفها البطنية نتيجة افتراسها من أحد الكائنات البحرية….. والتى تعد واحدة من اهم اعضائها التى تبقيها على قيد الحياة….. فهى المسئولة عن توزان السمكة وتعتبر الاداة الاولى فى قدرة السمكة على الحركة وبالتالى صيد غذائها المفضل قندبل البحر .
قام فريق الباحثين باجراء بعض القياسات على جسم السمكة التى بلغ عرضها 2.1 مترا وبلغ وزنها حوالى 300 كلج….. في حين بلغ طول زعنفتها المتبقية حوالى 60 سم…… كما قام الفريق بتشخيص الإصابة التى اسفرت عن فقدانها معظم الزعنفة ….. التى يتضح من اثار العضة بها حدة اسنان الكائن البحرى الذى قام بافتراسها مع بقاء مسافة حوالى10 سم قادرة على التحرك .
ونظرا لحالة السمكة الصحية وعدم معرفة المدة التى قضتها بدون تغذية بعد اصابتها …..حرص فريق الباحثين على الاستمرار فى تغذية السمكة بقناديل البحر مع إضافة الأدوية اللازمة للحفاظ عليها قدر المستطاع لحين وصول فريق الدعم الطبى من القاهرة …… وفى تلك الاثناء تجمع عدد من المتطوعين والسائحين الذين ابدوا الاهتمام بما يحدث وحرصهم على المشاركة فى محاولات الانقاذ
كما ادت الحالة الطارئة التى فرضت نفسها على المتواجدين بالقرب من السمكة ….. لقيام بعض المتطوعين بدافع انسانى فى محاولة لانقاذ السمكة … بصنع زعنفة مؤقتة بالجهود الذاتية املا منهم ان تستعيد السمكة توازنها وحركتها الطبيعية ….. وكانت والمفاجأة بعد نجاح المتطوعين فى تصميم وتركيب الزعنفة المؤقتة ….ان السمكة قد تمكنت بالفعل من السباحة بفضل التدخل الطبى وتلك الزعنفة التى لم تتحمل طويلاً نظرا للحركة المستمرة للسمكة.
فى هذه الاثناء قامت وزارة البيئة بالتحرك الفورى بتشكيل فريق إدارة أزمة من المتخصصين بوزارة البيئة والخبراء من الجامعات والمراكز البحثية للمشورة العلمية … وكانت اولى توصيات الفريق …ضرورة نقل السمكة الى بيئة ملائمة لإجراء التدخل الطبى الدقيق وتركيب زعنفة صناعية دائمة للسمكة
وقد وقع الاختيار على اكواريوم الغردقة كبيئة ملائمة لذلك …..حيث تتوافر به احواض كبيرة تسع حجم السمكة لاجراء الفحوصات الطبية به ….. واستلزم الامر التفكير فى وسيلة نقل مجهزة بحوض مائى مناسب ومجهز للحفاظ على حياة السمكة اثناء رحلة نقلها الى اكواريوم الفردقة
كانت القوات البحرية المصرية هى الملجاء الاكثر جاهزية لتوفير تلك الوسيلة فى هذا الظرف الطارئ… نظرا لما تتمتع به من امكانيات فائقة من قطع بحرية مجهزة لكافة عمليات الانقاذ
تم التنسيق مع القوات البحرية المصرية لتوفير سفينة مجهزة برافعة وحوض مائى مناسب لانتشال السمكة ونقلها الى أكواريوم الغردقة ….. والتى لم تتوانى القوات البحرية عن توفيرها نظرا لما تحملة تلك المهمة من رسالة قوية تعبر عن قدرة مصر على الحفاظ على التوع البيولوجى … خاصة بعد فوز مصر بتنظيم حدث عالمى كبير فى هذا المجال وهو مؤتمر التنوع البيولوجى الذي سيقام فى عام 2018 بشرم الشيخ.
ولحين وصول السفينة وفرق الانقاذ من القاهرة … قرر فريق الباحثين الملازمين للسمكة والذين لم يفارقوها ليلا او نهارا …. ان يقوموا ببناء قفص مؤقت بالشباك بجوار الشاطىء لحماية السمكة وعدم افتراسها وسط ظروف طقسية وتيارات بحرية عنيفة وظلاما دامسا طوال فترة الليل
ومع بزوغ اول ضوء لفجر اليوم التالى….. وصل فريق الدعم الطبى الى موقع السمكة الذى يبعد 77 كم عن ميناء نويبع البحرى الذى وصلت اليه فى الوقت ذاتة السفينة التابعة للقوات البحرية المصرية والمجهزة بطاقم على أعلى مستوى…..و محملا عليها حوض مائى مناسب لبقاء السمكة اثناء رحلة النقل التى تستغرق حوالى 12 ساعة من الابحار
ومع الساعات الاولى لشروق الشمس ….. بدأ الفريق الطبى باجراء فحوصات طيبة دقيقة على السمكة للوقوف على حالتها الصحية …. التى بدت فى اعياء شديد نتيجة اتساع منطقة الجرح بالاضافة الى التيارات العنيفة بخليج العقبة فى الليلة السابقة وكان لابد من الاسراع بعملية النقل قدر الامكان
وعلى الجانب الاخر قام طاقم السفينة المتواجدة بميناء نويبع بتثبيت حوض الاستقبال جيداً بجسم السفينة مع صعود جزء من فريق الإنقاذ على السفينة للتأكد من كفاءة جميع التجهيزات قبل انتشال السمكة من البحر…. والحرص على تنفيذ عملية الانتشال بدقة وسرعة عاليتين حتى لا تتأثر السمكة بطول الفترة خارج الماء ……..في حين بقى الجزء الاخرى ملازما للسمكة فى انتظار قدوم السفينة بالقرب من موقع السمكة لانتشالها من المياه ووضعها فى حوض الاستقبال المعد لها والمتوفر به تيار مائى متجدد لتوفير كمية الاكسجين اللازمة للسمكة والذى يتم قياسة كميتة بدقة للحفاظ على معدل التنفس الطبيعى لها اثناء فترة الرحلة وصولا الى اكواريوم الغردقة
حان وقت تحرك السفينة بعد التأكد من كفاءة التجهيزات اللازمة ومحاكاة خطوات خطة الانتشال بين طاقم السفينة والفريق الطبى واثناء توجه السفينة الى محطتها الاولى بالقرب من موقع السمكة.
*صوت بوق السفينة يعلن عن الاقلاع
رافق السفينة رحلتها لنش حربى للحماية وتقديم الدعم ولتأمين انسب عمق تصل الية السفينة
وبعد فترة من الابحار رست السفينة فى أنسب عمق ممكن لاستقبال السمكة بمساعدة فريق الإنقاذ والضفادع البشرية وشرطة البيئة والمتطوعين ….. ومن ثم بدأت اجراءات رفع السمكة الى ظهر السفينة .
*صور فوتو مونتاج لعملية الرفع م الموسيقى الحماسية
وبالرغم من صعوبة مهمة الانتشال ودقتها ….. نجح فريق الإنقاذ فى أدائها بكفاءةعالية وتم وضع السمكة بأمان بحوض الاستقبال المدعم بتيار مائى متجدد أستمر الفريق الطبى فى إجراء الفحوصات الدورية للاطمئنان على الحالة الصحية للسمكة من قياس لسرعة التنفس ومتابعة مؤشراتها الحيوية التى بدت فى معدلات مطمئنة واحتفل الجميع بنجاح المهمة وبدء التحرك الى مدينة الغردقة.
واثناء الرحلة بدأت المؤشرات الحيوية للسمكة فى الانخفاض وتدهورت حالتها الصحية تدريجيا بالرغم من محاولات الفريق الطبى التدخل عدة مرات لكنها نفقت وسط ذهول وحزن الجميع
*صور فوتو مونتاج لجثة السمكة مع موسيقة مؤثرة
ساد الحزن والصمت ظهر المركب وارتسمت ملامح الصدمه على وجوة الجميع وكان على الخطة ان يتم تعديلها تبعا لنفوق السمكة ….. فغيرت السفينة وجهتها الى شرم اشيخ بدلا من الغردقة …. لايداع جسدها فى ثلاجة مخصصة للتجميد لحفظه… لاجراء الفحص الدقيق عن اسباب النفوق واعداد تقرير مفصل عن اسباب النفوق لمشاركة الجهات العلمية والبحثية المهتمة بالحياة البحرية للاستفادة من التجربة المصرية فى محاولة إنقاذ ذلك النوع الفريد من الأسماك
ولم تنتهي القصة عند ذلك الحد…وإنما فتحت باباً لاكتساب الخبرات للأجيال المتعاقبة لإنقاذ الكائنات الحية النادرة فى حادث فريد ليس فقط فى مصر وإنما فى العالم أجمع