الخليل إبراهيم والذبيح إسماعيل عليهما السلام والأضحية
المصريين بجد- محمد سعيد أبوالنصر
وأمرتُ بذبحك يا ولدي
فاضتْ بالعَبْرةِ عيناهُ
أضناه الحُلُم وأشقاهُ
شيخٌ تتمزقُ مهجَتُه
تتندى بالدمع لِحَاه
ينتزعُ الخطوةَ مهموماً
والكونُ يناشدُ مَسْراهُ
وغلامٌ جاء على كِبَرٍ
يتعقبُ في السير أباهُ
والحيرةُ تُثْقِلُ كاهلَه
وتبعثرُ في الدرب خُطَاهُ
ويَهَمُ الشيخُ لغايتهِ
ويشدُ الابنَ بيمناهُ
بلغا في السعي نِهايتَه
والشيخُ يكابُد بلواهُ
لكنَّ الرؤيا لنبيٍ
صدقٌ وقرارٌ يلقاهُ
والمشهدُ يبلغُ ذِرْوتَه
وأشدَ الأمرِ وأقساهُ
إذ تمرقُ كلماتٌ عَجْلى
ويقصُ الوالدُ رؤياهُ
وأمرتُ بذبحك يا ولدي
فانظر في الأمرِ وعقباهُ
ويجيبُ الابنُ بلا فزعٍ
افعل ما تُؤْمر أبتاهُ
لَنْ أعصيَ لإلهي أمرًا
من يَعْصِي يومًا مولاهُ؟
واستل الوالدُ سكينًا
واستسلم ابنٌ لِرَدَاهُ
ألقاه برفق لجبينٍ
كي لا تَتَلَاقى عيناهُ
أرأيتم قلبا أُبَويًا
يتقبل أمرًا يأباهُ؟
أرأيتم ابنًا يَتَلَقى
أمرًا بالذبح ويرضاهُ؟
وتهز الكونَ ضراعاتٌ
ودعاءٌ يقبله اللهُ
تتضرع للملأ الأعلى
أرضٌ وسماءٌ ومياهُ
ويقول الحقُ ورحمتُه
سبقت بفضلِ عطاياهُ
صدَّقْت الرُؤيا لا تحزن
يا إبراهيمُ فديناهُ
من أجمل ما كُتب عن قصة الخليل إبراهيم والذبيح إسماعيل عليهما السلام هذه الأبيات من الشعر الموجزة والمركزة والرقيقة والدقيقة والمفهومة… وهذه الأبيات كانت مبعثرة هنا وهناك فقمت بضبطها وتشكيلها وعرضها استهلالا لما أقوم به من شرح لهذا الحدث الكبير عن نبي الله إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وعن قصة الذبح ،ومعنى العبودية الخالصة لله، ومشروعية الأضحية ،ومعنى الفداء ، والحديث عن هذين النبيين الكريمين يعطينا الأسوة الحسنة ونأخذ منه العبرة والعظة والدروس النافعة لهداية البشرية ،كما أن الحديث عن نبي الله إبراهيم حديث عظيم يهز القلوب هزا ويحرك الإيمان والمشاعر وكيف لا وهو الشيخ الوقور خليل الرحمن ، والرجل الذي أقام الدين كله قال ابن عباس: ما قام بدين الله كله إلا إبراهيم ، قدم جسمه للنيران، وماله للضيفان، و قدم ولده للقربان، قال تعالى ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾ [النجم: 37]، فقام بأمر الله كله قال تعالى ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120] فكان وحده أمة.
نشأة إبراهيم :
نشأ إبراهيم في بيئة وثنية لم تتفق عقائدها وتقاليدها مع فطرته السليمة ولذلك بدأ يتفكر في خلق السموات والأرض، فهداه الله إلى الدين الحق، وبدأ رسالته بالدعوة إلى التوحيد وهو لا يزال فتى في مطلع شبابه، وفي هذا يقول الحق: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ، إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ، قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ، قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ، قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ، وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ، فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ، قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ، قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ، قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ، قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ، فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ، ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ، قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ، أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ، قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ، قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ، وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} “الأنبياء 51-71”.
إبراهيم من ذرية نوح وأنصاره .
قال تعالى { سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82)وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) [الصافات: 77]
كان سيدنا إبراهيم من ذرية نوح قال تعالى{وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ} أي وإِن من أنصار نوح وأعوانه وممن كان على منهاجه وسنته إبراهيم الخليل، قال البيضاوي: وكان بين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة، وكان بينهما نبيان هما «هود» و «صالح» صلوات الله عليهم أجمعين {إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} أي اذكر حين جاء ربه بقلبٍ نقي طاهر، مُخلص من الشك والشرك {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ} أي حين قال لأبيه آزر وقومه موبخاً لهم: ما الذي تعبدونه من الأوثان والأصنام؟ وهو إِنكار لهم وتوبيخ {أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ الله تُرِيدُونَ} ؟ أي أتعبدون آلهة من دون الله من أجل الإِفك والكذب والزور؟ وإِنما قدَّم المفعول لأجله {أَإِفْكاً} على المفعول به لأجل التقبيح عليهم بأنهم على إِفكٍ وباطل في شركهم والأصل: أتريدون آلهة من دون الله إفكاً؟ قال القرطبي: والإِفكُ أسوأ الكذب وهو الذي لا يثبتُ ويضطرب {فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ العالمين} استفهام توبيخ وتحذير أيْ: أيّ شيءٍ تظنون بربِّ العالمين؟ هل تظنون أنه يترككم بلا عقاب وقد عبدتم غيره؟ قال الطبري: المعنى أيَّ شيءٍ تظنون أيها القوم أنه يصنع بكم إن لقيتموه وقد عبدتم غيره؟
إبراهيم ينظر في النجوم .
قال تعالى {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النجوم فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} لما وبخهم إبراهيم على عبادة غير الله أراد أن يريهم أن أصنامهم لا تضر ولا تنفع، وأراد أن يخلو بها حتى يكسرها، فاحتال للبقاء وعدم الخروج معهم إلى العيد، فنظر في السماء على عادتهم حيث كانوا نجامين وأوهمهم أن النجوم تدل على أنه سيسقم غداً فقال: إِني سقيم أي سأمرض إن خرجتُ معكم، وهذا ليس بكذبٍ وإنما هو من المعارض الجائزة لمقصد شرعي كما ورد «إِنَّ المعاريض لمندوحة عن الكذب» أو أراد أنه سقيم القلب من عبادتهم للأوثان {فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ} أي فتركوه إعراضاً عنه وخرجوا إلى عيدهم
إبراهيم يَسْتَهْزِئُ بالأصنام ويحطمها بفأسه .
لما ذهب قوم إبراهيم إلى العيد توجه إبراهيم إلى الأصنام قال تعالى {فَرَاغَ إلى آلِهَتِهِمْ} أي فلما ذهبوا وتركوه توجه إلى الأصنام ومال إليها في خفية قال ابن كثير: أي ذهب إليها بعد ما خرجوا في سرعةٍ واختفاء {فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} ؟ أي ألا تأكلون من هذا الطعام؟ وذلك أنهم كانوا قد وضعوا بين أيديهما طعاماً قرباناً لتُبارك لهم فيه {مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ} ؟ أي ما لكم لا تجيبوني على سؤالي قال أبو حيان: وعرضُ الأكل عليها واستفهامها عن النطق إِنما هو على سبيل الهزء، لأنها منحطةٌ عن رتبة عابديها إذ هم يأكلون وينطقون بخلافها {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً باليمين} أي فأقبل على الأصنام مستخفياً يحطمها بيمينه بفأسٍ كان معه قال البيضاوي: وتقييدُه باليمين للدلالة على قوته وقوةُ الآلة تستدعي قوة الفعل وقال القرطبي: خصَّ الضرب باليمين لأنها أقوى والضربُ بها أشد {فأقبلوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} أي أقبلوا نحوه مسرعين كأن بعضهم يدفع بعضاً، فلما أدركوه قالوا: ويحكَ نحن نعبدها وأنت تكسرها؟ فأجابهم موبخاً {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} ؟ أي أتعبدون أصناماً نحتموها بأيديكم، وصنعتموها بأنفسكم؟ {والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} أي واللهُ جل وعلا خلقكم وخلق عملكم، وكلُّ الأشياء مخلوقة له، فكيف تعبدون المخلوق وتتركون الخالق، أليس لكم عقل أيها الناسُ؟ قال ابن جزي: ذهب بعض المفسرين إلى أن {ما} مصدرية والمعنى: اللهُ خلقكم وأعمالكم، وهذه الآية عندهم قاعدةً في خلق أفعال العباد، وذهب بعضهم إلى أن {ما} موصولة بمعنى الذي والمعنى: خلقكم وخلق أصنامكم التي تعملونها، وهذا أليقٌ بسياق الكلام، وأقوى في قصد الاحتجاج على الذين عبدوا الأصنام.
إبراهيم يُطرح في النار انتصارًا للأصنام .
تناقش القوم مع إبراهيم وغلبهم ’ في الحجة فمالوا إلى الغلبة بقوة البطش والشدة، وتشاوروا فيما بينهم ثم قرروا أن يطرحوه في النار انتصارًا لأصنامهم وآلهتهم قال تعالى {قَالُواْ ابنوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الجحيم فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأسفلين} أي أرادوا المكر بإبراهيم واحتالوا لإهلاكه، فنجيناه من النار وجعلناها برداً وسلاماً عليه، وجعلناهم الأذلين المقهورين لأنه لم ينفذ فيه مكرهم، ولا كيدهم
لقد أراد قوم إبراهيم به الضر والكيد فجعلهم الله من الْأَخْسَرِينَ قال تعالى «وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ» .أي إنهم أرادوا أن يكيدوا لإبراهيم، وأن يقضوا عليه بهذه الميتة الشنعاء.. فنجاه الله منهم، وألبسهم ثوب الخسران فى الدنيا، إذ لم ينالوا من إبراهيم منالا، وأعدّ الله لهم في الآخرة عذابا عظيما..
إبراهيم في الاختبار
ابتلى الحق إبراهيم في أول حياته في نفسه، وابتلاه في أخريات حياته في ابنه، ونجح إبراهيم في الابتلاء الأول حين كانت حياته أهم بالنسبة إليه من كل شيء، كما نجح إبراهيم في الابتلاء الثاني. إن الأنبياء لأنهم في أعلى مراتب البشر من حيث الكمال ينعم الله عليهم بالاختبارات والامتحانات قال رسول الله ‘ ” أشدكم بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ”وروى الترمذي في سننه وغيره من حديث مصعب بن سَعْدِ بْنِ أّبِي وّقَّاصٍ عن أبيه قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ فقَالَ ‘: “الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ ومَا عَلَيْهِ خَطِيئَة “
إبراهيم ينجو من النار.
اجتمع قوم إبراهيم لإحراقه في النار فنجاه الله منها ،وخلّصه من كيد الفجار، قال تعالى: «فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ» ..أي أرادوا أن يكيدوا لإبراهيم، وأن يأخذوه بهذا العذاب، فنجى الله إبراهيم من النار- كما نجى نوحا من الطوفان- وجعلهم هم الأسفلين، كما جعل قوم نوح في قرار الطوفان، وجعل نوحا فوق الطوفان بسفينته..
إبراهيم يهاجر قومه.
بعد أن نجا الله إبراهيم من النار قرر أن يعتزل قومه ويهاجر من بلده إلى حيث أمره ربه قال تعالى {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إلى رَبِّي سَيَهْدِينِ} فالله قد نجّى الله إبراهيم من النار، وأغرق قومه في لجج الكفر والضلال، فتركهم إبراهيم يتخبطون في هذا البحر اللجّى من الضلال، وقال: «إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ» أي قال إني مفارق لتلك الديار، ومهاجر إلى مكان أتفرغ فيه لعبادة ربى، معتزلا إياكم، ومتخذا دارا غير داركم، وموطنا غير موطنكم.. ولا أدرى إلى أين سأذهب.. ولكنى موقن أن الله سيهديني إلى خير دار، وأطيب مقام، هذا هو ظني بربي الذي أعبده وأسلم أمرى له.. وهو سيهديني إلى ما فيه صلاح ديني، وهذا المكان هي الأرض المقدسة. قال مقاتل: إبراهيم أول من هاجر من الخلق مع سارة إلى أرض الشام وفي الآية إيماء إلى أن الإنسان إذا لم يتمكن من إقامة دينه على الوجه المرضى في أرض وجبت عليه الهجرة منها إلى أرض أخرى.
-لوط ينجو مع إبراهيم ويهاجر معه
نجّى الله مع إبراهيم لوطا، لأن لوطا ’ استجاب له، وآمن به، قال تعالى «وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ» . وقال سبحانه: «فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (26: العنكبوت) .«وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ» .