الافتاء توضح جواز القاء خطبة الجمعة بغير اللغة العربية
المصريين بجد
هناك الكثير من المسلمين ممن لا يعرفون العربية في بلاد الغرب، سواء كانوا من أهلها الأصليين أم من الأعاجم الذين وفدوا إلى تلك البلاد، وعند صلاة الجمعة يتحير الناس! هل تتم الخطبة بالعربية مع عدم فهم أكثر المستمعين لها، أم تتم بلغة يفهمها أكثر المستمعين.
وهذه المسألة تحدث عنها الفقهاء في كتاب الجمعة، وبعضهم تطرق إليها في كتاب الصلاة عند الكلام على القراءة في الصلاة؛ هل تجوز بالفارسية أم لا؟
والراجح أن الخطبة بغير العربية جائز لا شيء فيه، وتكون صلاة الجمعة صحيحة، والأولى الإتيان بالأركان بالعربية خروجًا من خلاف الجمهور.
والدليل على ذلك: أن المقصد من الخطبة تبيين الموعظة والأحكام الشرعية التي تكون في مثل خطب الحج التي يقوم الإمام فيها بأعمال الحج، فليس من المعقول أن يتكلم الخطيب في جمع لا يفهمون كلامه، وهو بوسعه أن يفهمهم. وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [إبراهيم: 4]، والمعنى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُول إلَّا بِلِسَانِ﴾ بِلُغَةِ ﴿قَوْمه لِيُبَيِّن لَهُمْ﴾ لِيُفَهِّمهُمْ مَا أَتَى بِهِ. انظر: “تفسير الجلالين” (ص: 329، ط. دار الحديث).
وما ذكرناه هو المعتمد عند الحنفية تبعًا لأبي حنيفة، خلافًا لصاحبيه، ففي سياق الحديث على شروط خطبة الجمعة قال العلامة الطحطاوي في “حاشيته على مراقي الفلاح” (ص: 277، ط. مصطفى الحلبي): [(و) الرابع (الخطبة) ولو بالفارسية من قادر على العربية] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين في “رد المحتار على الدر المختار” (1/ 543، ط. إحياء التراث): [لَمْ يُقَيِّدْ الْخُطْبَةَ بِكَوْنِهَا بِالْعَرَبِيَّةِ اكْتِفَاءً بِمَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلاةِ؛ مِنْ أَنَّهَا غَيْرُ شَرْطٍ وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَهُ، خِلافًا لَهُمَا؛ حَيْثُ شَرَطَاهَا إلا عِنْدَ الْعَجْزِ؛ كَالْخِلافِ فِي الشُّرُوعِ فِي الصَّلاةِ] اهـ.
وأجازه غيرهم كالحنابلة عند العجز عن العربية؛ قال العلامة البهوتي الحنبلي في “كشاف القناع” (2/ 33، ط. دار الفكر): [(وَلا تَصِحُّ الْخُطْبَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ) عَلَيْهَا بِالْعَرَبِيَّةِ (كَقِرَاءَةٍ) فَإِنَّهَا لا تُجْزِئُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَتَقَدَّمَ (وَتَصِحُّ) الْخُطْبَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ (مَعَ الْعَجْزِ) عَنْهَا بِالْعَرَبِيَّةِ؛ لأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا الْوَعْظُ وَالتَّذْكِيرُ، وَحَمْدُ اللهِ وَالصَّلاةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، بِخِلافِ لَفْظِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ دَلِيلُ النُّبُوَّةِ وَعَلامَةُ الرِّسَالَةِ وَلا يَحْصُلُ بِالْعَجَمِيَّةِ (غَيْرَ الْقِرَاءَةِ) فَلا تُجْزِئُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا) أَيْ الْقِرَاءَةِ (وَجَبَ بَدَلَهَا ذِكْرٌ) قِيَاسًا عَلَى الصَّلاةِ] اهـ.
وإن استطاع الخطيب أن يذكر المقدمة والآيات والأحاديث باللغة العربية، ثم يترجمها بعد ذلك، فهو الأحسن، وقد جاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي: “الرأي الأعدل هو أن اللغة العربية في أداء خطبة الجمعة والعيدين في غير البلاد الناطقة بها ليست شرطًا لصحتها، ولكن الأحسن أداء مقدمات الخطبة، وما تضمنته من آيات قرآنية باللغة العربية؛ لتعويد غير العرب على سماع العربية والقرآن، مما يسهل تعلمها، وقراءة القرآن باللغة التي نزل بها، ثم يتابع الخطيب ما يعظهم به بلغتهم التي يفهمونها” اهـ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.