الشيخ محي الدينمقالات
محمد قاروب يكتب رواية:( الشيخ محي الدين) الفصل الثاني
محمد قاروب -المصريين بجد
هيهات في قرية ميت صالح كما في غيرها أفكار وأراء متباينة الاختلاف بل قل طاحنة الإختلاف. فما بين افراط وتفريط وبين التزام ظاهري وتعصب ضاعت الهوية المطلوبة والجوهر الذي صلح به الأولون ! لكن كما قلنا إن ميت صالح خير من غيرها فالخير فيها أكبر نسبيا من غيرها رغم ما تعانيه من هذه الأمور التي تنغص على المصلحين وتقف عائقا بينهم وبين نشر دعوة الاصلاح. فكرة العبوس والتكفير والتعصب وربط الإسلام بالملبس فكرة في منتهى السطحية ، لا اعلم لماذا يصر بعض مشايخ مصر على ارتداء ملابس أهل الخليج العربي! ولماذا ربطوا بين الصراخ وبين الموعظة! ولماذا كما زاد صيتهم كلما قست قلوبهم! الله يقول إن رحمته قد غلبت غضبه فمال هؤلاء القوم لا يفقهون حديثا؟ لماذا يصرون على ذكر العذاب والجحيم والأغلال دائما على المنابر وتهميش الجنان والحور ورحمة الله وولاية الله لعباده الصالحين! أتراهم قد رسموا مخططا لتنفير عباد الله من القرب من حضرة الله من المستفيد من هذا؟ لابد أنهم دعاة على أبواب جهنم! عشرات وعشرات الأفكار تتوارد الى مخيلة الشيخ محي الدين وقد أعيته واقعية سوداوية تعيشها الأمة ويتجرع مرارتها وانتكاستها الناس. الكل يدعي انه يريد الحل رغم أن معظمهم يسير عكس اتجاه الحل. هم يريدون حلا مع اقامتهم ما يشبه الخصومة مع الله مع دينه مع عباده العلماء والصالحين. يريدون ان ينقذهم الله بلا قيد منه بلا شرط! أي العبيد هؤلاء! لاريب أنهم لا يفلحون الا بالرجوع الى سيدهم بشروط سيدهم فمتى كان للعبيد شرط! وفي كل هذا المحيط من الأفكار نادت زوجة الشيخ محي الدين زوجها ” الأكل يا سيدنا” فقام الشيخ وقد انتشله صوت زوجته من عالم إلى أخر. ” لابد أن نطبق الشريعة فالمجتمع الذي لا يطبقها مجتمع كافر” كان هذا الصوت صوت “مجدي” وعند بعض اصدقائه هو الشيخ مجدي العالم العلامة الذي درس في معهد اصول الدين عامين كاملين حوى فيهما خبايا الدين واسراره كما يعتقد اصدقاؤه فيه! كانت كلمات مجدي تبهرهم فهو يحدثهم عن معركة لا تدور الا في مخيلته أو كأنما هو اليقظ الوحيد الذي يدعوا نيام الى النهوض مرة أخرى! وكم مجدي بيننا وفي أنفسنا ولا ندرى به! الشدة الشدة الشدة ثم الشدة هي اسلوب الشيخ مجدي المحبب الى نفسه فهو يستمتع بشكل عجيب بالراعي الغليظ القلب الذي يجر أغنامه مهما شردوا بانتظام وعلى هواه في أي طريق يشاء وكلما انساقت الأغنام كما يشاء كلما كانت راية انتصاره خفاقة لا لله لكن للشيخ مجدي! وكان من بين أصدقاء مجدي صديق له مخالف على طول الخط انه السطحي المعرفة الدكتور عارف اللي اتعلم العلم بلغة الخواجات بتوع بلاد بره ، وايه يجيلك من بره الا الوشوش العكرة كان هذا رأى الشيخ مجدي في عارف وكل عارف – انهم وشوش عكره تعكر صفو هيمنته ونشر قوته التى لا توصف. وعارف هذا ابن الحاج محفوظ الرجل الصالح الذي لا تجده الا في مجالس الصلح بين الناس وفي المساجد وفي بيته لا يكاد كتاب الله وسبحته تفارق يده أو هو الحاج محفوظ المبتدع كما يسميه الشيخ مجدي لأنه ما كان على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم سبحة ونسى مجدى انه لم يكن على عهد الرسول متغطرسا متعجرفا يدعو عباد الله اليه وهى أشد بدعة من توهم بدعية المسبحة. “ان تنصروا الله ينصركم” كان هذا رد الدكتور عارف على الشيخ مجدي الذي يرى الحدود وفقط هي أمل الأمة في النهوض والالتحاق بركب الحضارة! لا أعلم الرابط الفعلي بين هذا وبين الحضارة؟ لكن الشيخ مجدي بلا أدنى تفكير يؤمن بهذا! ويعتبر حتى مجرد فكرة محاولة الفهم من سوء الأدب مع الله ان لم يتهمك حينها بالتكفير فحتما لم يسمعك! فكرة ان كنت حقا تريد الله ونصرة دينه لابد وأن يساندك الله وينصرك هي فكرة واعتقاد لن يتغير لأنه وعد من الله الذي لا يخلف وعده. المعادلة من طرفين كما ترون استطرد الدكتور عارف قائلا: فإن لم يحقق أى الطرفين التزامه لم يحقق الأخر وقلت ان الله لا يخلف وعده حاشاه اذا المؤكد واليقيني ان من يدعي العمل لاجل دين الله ونصرته ليس صادقا لأنه لو صدق الله لصدقه. فرق شاسع بين مريد الدنيا باسم الله وبين مريد الله. العامة ينخدعون بالظواهر لكن ربنا تعالى شأنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور . أليس كذالك يا شيخ مجدي؟. رد مجدي ووجهه يمتلىء عبوسا ولسانه غيظا: صح يا سيدي . بس لازم الناس تغار لدين الله وانتهاك الحرمات مش تتدروش وتطنش ولاا ايه يا اخوانا؟ قالوا بصوت واحد : الله ينور عليك يا شيخ مجدي. وما أجمله من دعاء له فالشيخ مجدي فعلا يحتاج نور الله عليه ليخرج من ظلمات وهمه وادعائات مشيخته الكاذبه فهو لم يرتقي لأن يكون طالب علم فضلا عن أن يصدق في نفسه ما ليس له. انه غرور الجهل وحماقة المتبعين! نعود الأن للشيخ محي الدين وتلميذه النجيب “راغب” فقد كان حب راغب للشيخ محي الدين ليس فقط لأنه يتكلم عن الدين بلسان العلماء الربانيين بل لأنه يعمل جاهدا بكل طاقته الى تطبيق ما يقوله. قد جعل الشيخ محي الدين من الدين هوى لنفسه وليس العكس! فصار حقا اسما على مسمى في زمن أحوج الى كل محي حقا للدين. وكان راغب صادق الهمة مع سيدنا محي الدين كما يحب أن يناديه مع أن لفظ السيادة هذا يجلب للبعض مغص مصحوبا بحقد مع ارتفاع درجة الكراهية للشيخ محي من جانب من لا يحبون توقير كبير السن أو العلم أو كلاهما معا. ما علينا! لندع أهل السلب في حالهم رغم أنهم لا يتركون أحدا في حاله – كانت هذه نصيحة الشيخ محي الدين التي يكررها على مسامع راغب كما اشتكى له ضيق صدور الخلق وعقولهم عن فهم الدين الصحيح بأدواته الصحيحة. كان الشيخ محي الدين حقا عالما يرتجى عنده حل وشرح المعضلات في الدين وشئون الدنيا لم يكتفي الرجل كونه أزهريا بل هو أيضا عابد ناسك لا يشبع من مطالعة الكتب ورفقة أساتذته وأصدقائه من العلماء ودوما ما كان ينصح راغبا قائلا: ان أردت الله يا راغب فعليك بمن يذكرك الله ويحبب الله اليك واياك وصحبه من يكون كلامه عسلا وفعلا حنضلا لا يستويان يا ولدي ولعهد الله فاحفظ. كانت تلك الكلمات العطرة الطيبة تشع في راغب نور المحبة لله والرغبة في استزادة المعرفة بالله وبالدين
Facebook Comments Box