عاطف البرديسي يكتب :الراديو صديقي
المصريين بجد-عاطف البرديسي
بعيداً عن صخب التلفاز وبرامجه التي أصبحت مكررة ومملة ؛ لا أستطيع مفارقة جهاز الراديو الذي أعتبره صديقي المقرب
برامج الراديو تذكرني بالماضي الجميل وكيف كان يجتمع حوله أهل القري ؛ وحتي أهل المدن لسماع برامجه الشيقة التي كان يعيشها المستمع بخياله ويتابعها أول بأول
تبقى للراديو ولمحطاته التي كنا نتصبح بها يومياً ونمسي بها عشية نكهة خاصة لم يستطع طول الزمان عليه أن يلغيها ؛ ولم تستطع التطورات التقنية الحديثة أن تتجاوزه ؛فما جاء بعده من تلفزيونات وفضائيات وانترنت الخ .. لم تلغي الراديو ؛ فأشهر المحطات الاذاعية مازالت مستمرة حتى الآن ولها جمهورها العريض بل ان المزيد من الاذاعات يفتتح بشكل دائم وتلقى اقبالا وجمهوراً
وخلافاً لما تصوره كثيرون ؛ لم تتأثر محطات الإذاعة سلباً بثورة التكنولوجيا حيث حافظ الراديو على تألقه بين عشاقه وتمددت قاعدة جماهيره في أنحاء العالم
ويكتسب الراديو أهميته وانتشاره الواسع وتغلغله في المجتمعات النائية وبين الأميين والمستضعفين في كل مكان
وفي العديد من البلدان يروي كثيرون قصص عشق طويلة ربطتهم بالراديو ؛ حيث كان المصدر الأول للمعلومات والترفيه ؛ ووسيلة ناجحة للتحرر والكفاح
والعصر الذهبي للراديو بدأ عام 1922 عندما أنشئت هيئة الإذاعة البريطانية لتكون ملهمة لشعوب أوروبا وأفريقيا وآسيا والشرق الأوسط
ووسط زمن الراديو الجميل ولدت الإذاعة المصرية ومحطات عربية أخرى كان لها دور بارز في نقل ما يحدث في المنطقة حينها من صراعات عسكرية وسياسية وفكرية
في تلك الحقبة كان الراديو مبهراً للشعوب ورافداً مهما للتحرر والوعي بالنظر إلى كونه أصبح متاحاً في المقاهي والأندية ووصل صداه إلى القرى النائية في معظم الأقطار
ولا يزال الراديو يقوم بدور حيوي في حالات الطوارئ وعند حصول الكوارث حيث يستخدم للتواصل فيما بين الجهات المسؤولة عن تقديم الخدمات الأمنية والإغاثية
وإعلاءً لشأن الراديو فهو بالنسبة لمن يعيشون في مجتمعات ممزقة أو من يجدون أنفسهم محاطين بالكارثة أو يبحثون بلهفة عن الأخبار ؛ تنقل الإذاعة من المعلومات ما به تُغاث الأرواح
ومازال الراديو يحافظ على تألقه في القرى والمدن ويمثل أهمية كبيرة للأميين الذين لا يجدون فرصة للحصول على الثقافة والمعرفة إلا عن طريق الاستماع
وإلى جانب ذلك يحتل الراديو حيزا مهما وسط النخبة الثقافية ومحبي الموسيقى وقائدي السيارات ؛ ويحافظ على وجوده في المحلات التجارية وصالونات الحلاقة والمطاعم ؛ بالنظر إلى أن الإذاعة لا تشغل سوى حاسة السمع ولا تؤثر سلبا على أداء العمال خلافا لمشاهدة التلفزيون أو تصفح الجرائد
ما أروع الزمن الجميل .. زمن الراديو ؛ وكم أتمني أن يعود
فعندما كنا صغاراً كنا نلتف حوله نستمع إلي إذاعة القرآن الكريم ومن ثَم الاستماع إلي برامجه الخفيفة ؛ وما أروع إذاعة صوت العرب التي يصل صداها الي الوطن العربي يستمعون منه تفسير القرآن الكريم للشيخ الشعراوي رحمه الله
كانت هناك متعة وشغف لا نشعر به ونحن أمام التليفزيون ؛ ومانراه من مشاهد العُري والألفاظ البذيئة
ومشاهد مخجلة لا ترقي للمشاهد
إن للراديو متعة خاصة
إذاعة القرآن الكريم ؛ محطة أم كلثوم ؛ إذاعة الشرق الأوسط ؛ وإذاعة صوت العرب ؛ أجيال كثيرة نشأت على صوت هذه الإذاعات ؛ بل أنه حتى الآن هناك الكثير من الأسر المصرية تجعل الراديو يعمل ليلاً ونهاراً تبركاً بآيات القرآن
للهدوء والإستماع متعة لا يعلمها إلا أصحاب العقول الراقية ؛ إن للراديو سحر وجاذبية خاصة ؛ فما زال هناك مجال للاستماع والاستماع به ؛ فالكثير منا يستمع إلي المحطات الإذاعية في ظل الأعباء الموجودة في حياتنا اليومية ؛ فعن طريق الراديو يمكننا متابعة كافة أنماط الأحداث في وقت قياسي وأثناء ذهابنا للعمل ؛ وفي السيارة
وعلى الرغم من أن الاذاعة تواجه بشكل عام تحديات كثيرة فى الوقت الحاضر مع انتشار وسائل إعلام أخرى ؛ مثل الفضائيات ومواقع الانترنت ؛ التى تجتذب قطاعاً واسعاً من الجماهير ؛ غير أنها تظل بالنسبة لكثيرين صديقاً وفياً يشتاقون لسماعه ؛ ويرون فيه وسيلة مريحة لتلقى الأخبار ومتابعة البرامج فى أى وقت ؛ وتتميز الإذاعة بكونها الوسيلة الأكثر حيوية والأكثر تفاعلاً والأكثر جذباً إذا أنها تتماشى مع التغيرات وتطرح طرقا جديدة للتفاعل والمشاركة.
ففي زمن تعمل فيه مواقع التواصل الاجتماعي على بعثرة الجمهور و وضع حدود لنا وإدخالنا في “الفقاعات الإعلاميّة” حيث يتداول الجميع نفس الأفكار ؛ و الاسلوب تقريبا لتعم الرتابة و الروتين حياتنا اليومية تتميز الإذاعة بقدرتها الفريدة على توحيد المجتمعات وتعزيز الحوار الإيجابي من أجل إحداث التغيير
وستظل الأذن قبل العين أحيانا موطن العشق ومفتاح الحواس
وسيظل الراديو صديقي