مقالات

شيماء حسن تكتب:حياة لم تتبسم بعد

شيماء حسن-المصريين بجد

كانت تعبر الطريق مسرعة هذا يشير أهلا وذاك يصيح الله ينور يا أستاذة، وهي تكتفي بالإيماء برقبتها الطويلة ثم تعبر.
فى ظاهرها أكثر ما يقال عنها أنها أقل من العادى، فهى فتاة خمرية اللون ليست بطويلة ولا بقصيرة، شعرها أيضاً لا يكاد يمس كتفيها، لا تضع فى وجها أياً من مساحيق التجميل، فهى دائما تردد: “هكذا أبدو أفضل، فكل شئ إذا ظل على طبيعته ظل أنقى وأطهر.. وبالطبع أجمل” , يمكن أن يكون لهذا السبب احترمها البعض؛ لم تستغل كونها أنثى لكى تحقق ما تريد كبعضهن, فقد كانت دوماً تفضل أن تسيطر على عقول الرجال أفضل من أن تسيطر على شهوتهم، فتلعب على وتر احترام العقول حتى تصل بهم إلى احترام مطلق، تفكر فيما تقول وكيف تقوله، كيف بأفعال بسيطة قد لا يراها البعض، تصل بنفسها إلى أعلى مراسم الكمال، وقد يرجع لكونها تنتمى لبرج العذراء الذى يعرف عنه أنه يحاول دائماً الوصول إلى ذلك نفسه “الكمال”… ربما.
لكن هى نفسها تعلم قدرها، تعلم ما يمكنها فعله، لم تكن من هؤلاء الذين ولدوا على فراش من حرير أو فى فمهم ملعقة من ذهب، بل كانت من أولئك الذين تعلموا من أين يأتى القرش، وفيم يصرف، تعلم منذ صباها أن النقود لا تمتلكها كي تنفقها، بقدر ما خلقت بنظرها لتنفق في أقصى الضرورات وأكحل الظروف، تعلمت كيف تعتذر عن الخروج إن كان سيكلفها، وعن شراء الملابس من المحلات الفخمة وعن الأكل فى المطاعم المشهورة، يكفيها أن تنام بنصف بطن.
تعلمت ألا تكلف أهلها فوق طاقتهم؛ فكونها أخت لخمسة من الإخوة لهم مطالب لا تنتهى؛ كانت تقتص احتياجاتها لسد احتياجهم، حتى لو لم تقدر أسرتها لها ذلك، وحتى إن لم يعلموا أصلاً به، وإن كان يؤلمها اعتذارها عن خروجة مع صديقة لها، إلا أنها لم تكن تريد أن تصرح بالسبب الحقيقى للاعتذار، تملك من عزة نفس ما لا يوصف.
تفخر دوماً بقدرها الثقافى، وينبهر كل من يلقاها -حتى ولو بعد بضع دقائق من حديثه معها- بانبهاره الشديد بذكائها وترتيب أفكارها واختيار ألفاظها المنسقة، تسمع على الدوام “انتى عندك حاجة مش موجودة عند كثير، عندك نوع من الجمال اسمه الجمال (العقلى) “، وفي المقابل ترد دوماً كذلك و فى تواضع شديد وحياء أشد ” لا دا انا في مني كتير” وتغلف كلماتها بابتسامة رقيقة ناعمة يشهد لها الجميع بأن لها سحراً يأخد مجامع القلوب، وهي لا تنكر ذلك بل تتعمد أحياناً أن تبتسم حتى تلفت الإنتباه، تذكر كثيراً كيف كانت وهي فى المرحلة الابتدائية، وكيف كانت تنتمى إلى المجموعة الخايبة فى الفصل، وكيف كان يعاملها أصدقاؤها على أنها الفاشلة التى لا تمتلك أية مهارات، كانت أضحوكة الفصل ومحط استهزائهم، غريب أنها لم تكن تحزن لذلك، بل كانت تريد أن تقترب منهم حتى تستطيع أن تفوز بصديقة، ما لم يحدث يوماً.
كل ما حدث أنها ازدادت مع الوقت غربة، ووحدة، وحزناً، حتى وحينما بلغت المرحلة الإعدادية، كان جُل انشغالها أن تثبت لمن حولها امتلاكها الكثير، فهمّت بالقراءة، والاطلاع، ومشاهدة البرامج، حتى إذاعات الراديو لم تتركها، سمعتها بصفة مستمرة وتعلمت كيف تتكلم وكيف تختار موضوعاً تريد مناقشته، حتى غيّرت فكرة الكثير عنها، و بدلاً من كونها كومةً مهملة.. أصبح الكثير يلجأ إليها ويحكى عن مشاكله حتى تجد هى الحل، نعم.. ” الحل “، كانت تلك أسعد لحظاتها، الوقت الذى تشعر فيه أن آن الأوان لتمتلك قدراً، لتملك بالأحرى مكاناً، وبدأت تسمع تلك الكلمات التى لم تنسها يوماً أمثال ” أنت ألمعية يا حياة “، ” حياة عملة نادرة في هذا الزمان” “حياة.. هو فى زى حياة؟!”، “ظفر حياة بمائة من عينة سلوى”.
أصبح لحياة كيان و حضور، ونشأت في الثانوية تمارس الحياة بشكل مختلف، تذاكر فى الشتاء وتعمل فى الصيف لتؤمّن بعض مال يعينها, أي عمل مؤقت فى مصنع أو مزرعة، كانت تتألم لذلك.. لكن هذا كان يدفعها أن تحلم أحلاماً كبيرة فى سن صغيرة، حلمت أن تحصل على نوبل فى الآداب، وأن تصبح أشهر المشاهير فى الإعلام، وبدأت تتعامل مع نفسها على أنها الحقيقة بل والواقع، وتتعامل مع من حولها على أنها ستكون، ستكون لا محالة.
كل ذلك أصقل شخصيتها، وجعل منها شخصاً يصعب كسره، فتقول ما تريد وتفعل ما تريد وقتما تريد، مادام لن يغضب الله، ولا يحطم قانون المجتمع الصارم، فلم تنس يوماً أن جذورها تمتد لصعيد مصر، وربما يكون هذا ما أكسبها اللون الخمرى، لم تنس أيضاً كونها فتاة، يجب أن تحذر هذا وذاك، و أن تتعامل مع الجنس الآخر فى أضيق الحدود، فلا يتسع نطاق التعامل لئلا تقع فى مصيدة القيل و القال، حتى عندما تُحب.. تتجنبه، وإن صرحت به فى بعض التجارب القليلة، تؤمن دوماً بأن تجربة الحب ليست هي قصة الحب، فكل إنسان لديه الكثير من تجارب الحب لكن لا يمتلك إلا قصه حب واحدة وكثيراً ما كانت تردد ماقاله إحسان عبد القدوس: ” أحبك الأول هو حبك الأخير؟َ! “.
كانت تهيم بالحب وتعشق الفكرة، بحثت عنه كثيراً، وأخطأت كذلك كثيراً فى الحكم على مشاعرها الرقيقة، كل هذا أكسبها قوة وصلابة وجعل منها شخصاً بلاستيكياً مرناً لا يمكنك كسره وإلقاءه فى سلة المهملات، حتى وإن كسرته يمكنك استخدامه فى أغراض أخرى، جرحها أحدهم يوماً قائلاً: ” خايف أقول لك إنى مبحبكيش تنهارى “، أجابته وهى فى شدة الألم والحسرة صامدة: ” أنا مابنهارش، أنا لما أقع أرجع أقوم، كل اللى حصل إن هدومى اتعفرت أنضفها وأرجع أقف فى ثوانى، أكيد كنت بتهزر لما قولت كدا “، من هم على شاكلتها لا يمكنهم أن يتقبلوا الهزيمة بسهولة، بل إن الهزيمة عندها مجرد جولة فى مباراة لم تنتهي بعد، كل هذا زاد من صلابة شخصيتها وصنع لديها قلباً من حديد و إرادة فولاذية جعلت منها امرأة بعمر السبعين، مع أن عمرها الحقيقى لا يتجاوز الخامسة والعشرين، فهى الآن تعلم كيف تأكل الكتف ومن أين؟ هكذا كانت تحيا وحيدة فى بيت ملؤه السكان وقلب لا يحمل سوي الأحزان، كل ما تفعله وتفكر فيه كيف تصل إلى المجد و والخلود فى عالم سريع النسيان، حتى عندما تخرجت من الجامعة كانت تفكر فى الوصول للقمة وكيف تصعد الدرجات، فبدأت تتدرب لدى أحد الجرائد الصغيرة، وبدأت تعمل على تطوير مهاراتها، تقرأ كثيراً، فكونها تخرجت من كلية الآداب خلق لديها اطلاعاً واسعاً وسريعاً، هى الآن حياة.. لها الحياة التي تمنتها، ولكن لم تسعد بها فالسعادة لم تشق صدرها يوماً ..
هذه هى الآن .. يرن هاتفها الجوال ، و تجيب:
-” ألو”
– “أيوة يا أستاذ أنا فى المصعد خمس دقائق وهكون أمام حضرتك”.
وفى غضون خمس دقائق دلفت إلى الاستديو والصراخ فى كل مكان الإضاءة هنا مش هنا وصوت يصيح ويقول:
– “كنت فين يا أستاذة حياة باقي للهوا الهوا عشر دقائق، إيه أروح أجيبك من البيت يعنى ولا إيه”.
بالطبع تعلمون الآن من هو ذاك.. صاحب القناة، إنسان جشع مادى، كل ما يشغله الإعلانات، فكون حياة مقدمة برامج لها طلة بلغة الإعلام، فإن ذلك يدر عليه الكثير، و مع أنه يعاملها كما العبيد لمجرد التزامها بعقد وقعته، بما يعتبره مسوغاً للملكية، إلا أنها وفى داخلها كانت ترفض ذلك بشدة، لكن في الوقت نفسه تعامل الأمر بيسر وأريحية قائلة:
-” سورى يا بنهاوى بيه أصل الطيارة بتاعتى عطلت على الدائرى وفين لما لقيت طيارة رضيت تجيبنى هنا، انت عارف إن المريخ اللى انا عايشة فيه زحمة موت اليومين دول”
– “إنتى بتهزأى بيا يا أستاذة حياة؟، طب برنامجك الجديد ده انسيه خالص وإن شاء الله مش هتشوفيه بعينك ولو عايزة تكملى معانا يبقى مفيش غير “الخبر” ولما نشوف من غيرى هتقدرى تعملى إيه”.
فى هذا الوقت أرادت أن تسكب في وجهه كوباً من الماء كان بين يديها لإفاقته من سكرته وكبره، لكنها تراجعت فى ابتسامة سريعة وهمست لنفسها:
-” عندك أمل إنى أكمل معك “.
فى تلك اللحظة طلب منها أخصائى التجميل أن تذهب معه حتى تستعد للبث، فتابعت حديثها منصرفة:
-” بعد إذنك يا أستاذ بنهاوى”.
الأن هى تجلس فى غرفتها الخاصة داخل مبنى القناة تمسك بأوراق متناثرة لا تسمع شيئاً سوى الصمت، لا يتحرك لها ساكن، لم تكتب شيئا حتى، لا تذكر متى آخر مرة كتبت ما تريد، فمنذ عملت بقناة بنهاوى يملى عليها ما تقول، دائماً ما كانت تشعر بأنها أقصوصة فى الهواء لا يمكنها أن تمس الأرض، وبالطبع لا يمكنها أن تصل إلى السماء …
دلفت إلى الاستوديو تنتظر أن تسمع هوا stand by ,three , two , one باقى على تلك اللحظة لحظات، انفردت هى بنفسها تفكر كم من الوقت مر عليها وهى أقصوصة فى الهواء!، كيف فعلت كل شئ إلا ما تريد هى أن تكون ؟! تُرى هل فقدت الشعور وأصبحت إنساناً آلياً يعمل بواسطة بنهاوى صاحب القناة، لا تشعر بشئ ألماً، اشتياقاً، خوفاً، لا شئ على الاطلاق، لا أحد يعلم ما هى ولا حتى هى!، الأغرب أنها لم تعد تحلم وأصبح كل حلمها أن تعود تحلم، تريد بصدق أن تعزف
على أوتار العودة، ولا تريد مطلقاً أن تردد تلك الكلمات مرة أخرى، قال , قيل، هو مجرد مقال لم يعد يعنيها، ولم تعنها كذلك الألفاظ فلطالما رددت تلك الكلمات دون أن تعرف من هم أصحابها.
فى تلك اللحظة وقعت عيناها
على الاسكربت تقرأ فيه ” مائة قتيل وألف جريح فى كركوك بالعراق , انهيار عقار جديد فى منطقة المقطم , انفجار قنبلة بجوار جامعة القاهرة , زواج عماد أديب من مروة حسين , إلقاء القبض على بعض الخارجين على القانون وغيره , غيره , غيره .
سألت نفسها ما الفائدة إذا تحقق حلمها ولم يفرحها،
بالله أي طريق سلكت! لكن لا.. لا تريد أن تكون ممن قال الله عز وجل فيهم فى كتابه الجليل ” الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً “.

مقالات ذات صلة

أيقظها من حلم اليقظة صوت المخرج وهو يقول:
– “أستاذة مستعدة هنكون هوا بعد دقيقة”.
أجابته:
– ” مستعدة “.
وانتظرت حتى سمعتها:
– هوا stand by , three , two , one
– “السلام عليكم أعزائي المشاهدين أهلاً بكم فى حلقة جديدة من برنامجكم “الخبر”، أخبار اليوم نبدأها من كركوك بالعراق حيث مائة قتيل وألف جريح أثر انفجار لم يعلن أحد عن مسؤليته، ننتقل الآن إلى انهيار عقار جديد بمنطقة بالمقطم، متى يتوقف نزيف العقارات لا أحد يعلم سوى الله، زواج الإعلامى الكبير عماد أديب من الفنانة الجميلة مروة حسين ….. انتهت أخبار اليوم لكن لن تنتهى الأخبار يوماً، غداً حلقة جديدة و “الخبر”.”
انتهى البرنامج لكن لم تنتهى حياتها، وقررت أن تضع حداً لكل ذلك وأن تتخلص من بنهاوى وكرشه حتى تعود فتحلم فتبتسم …
هى الآن فى طريقها للعودة للبيت، تشعر بضيق وهم تحمله علي كاهلها، أصبح العمل مملاً للغاية، حتي الطريق صار يشعرها بالضيق، هذا يسب وذاك يلعن وتلك عجوز قبيح وأخرى شابة جميلة، تتأمل كالعادة الطريق وتراقب الناس وتلاحظ أن الابتسامة تقل يوما عن الآخر، تتساءل: هل هم أيضاً لا يستطعون أن يبتسموا؟!، أم فقط ما من داع للابتسام!, دخلت المنزل وبدأت المعركة، إنها أمها:
– ” كنت فين يا هانم كل ده فى الطريق!، والله لا انا قايلة لابوكى، الهانم فاكرة نفسها بقت حاجة وبتتصرف على مزاجها، اوعى تكوني فاكرة نفسك بقيتِ حاجة، لا فوقى من الحلم دا، انا لما أبوكى ييجى هقوله يشوف صرفه معاكِ”.
دخل أخوها الأصغر بين كل إخوتها، والأكبر فى البنين.
– ” إن شاء الله مش هتشوفِ القناة بعينك تانى “.
حتى إخوتها البنات: “مش قولتلك 100 مرة ما تلبسيش حاجة من هدومى “.
كان هذا هو الحال كل يوم، حتى أنها بدأت تردد معهم تلك الكلمات، لم يكن طريقها مفروشاً بالورود، دخلت حجرتها واستلقت على الفراش وتمنت أن ترى حلماً جميلاً تهرب به من واقعها المرير، لم تنكر يوماً أنها وصلت إلى ما لم يصل إليه الكثير، ولكن لا تعرف سبب عدم سعادتها, يمكن لأنها كانت تريد أن تساعد الأخرين بدلاً من أن تنقل أخبارهم. الآن تذهب إلي النوم.
فى صباح اليوم التالى قررت أن تبدأ فى إعداد حلقات من البرنامج، وعزمت على السعي بكل الوسائل؛ حتى تستطيع أن توقف نزيف قلب يئِن من فرط حنينه إلى الحلم القديم، وبدأت فعلاً، فالاجتهاد طريقها الوحيد لتحقيق الأمانى والأحلام.
بعد الانتهاء من إعداد بعض الحلقات، تحركت من مكتب مسئول إلى أخر وهى تحمل بيدها الاسكربت تحارب من أجله، وكأنها أحد الخارقين أو المحاربين الذين قلما يعود الزمان إليهم، ابتلعت كل الانتقادات غير المبررة، منهم من اتهمها بالرومانسية –إن كانت جرماً-، واتهمها آخرون بأنها لم تعش على الأرض يوماً، وكأنها تعيش على المريخ مثلا!، لكنها لم تكن تبالي، تجربتها السابقة جعلت منها شخصاً أخر شخص لم تعهده، كلما تذكرت أنها لم تستطع أن تبتسم ابتسامة حقيقية طول الفترة السابقة، اندفعت تلقائياً إلى فعل الكثير، تريد الخلاص من بنهاوى، تريد أن تفعل ما تريد فتحلم مرة أخرى، فالبرنامج الجديد يناقش مشكلات حقيقية، وكيف انغرس أصحاب تلك المشاكل إلى هذا العمق، وكيف تستطيع إذاً أن تجد الحلول وتبسط الأمور، يحمل البرنامج بين طياته آهات مكنونة فى صور مهمومة وآلام تمزق جينات قلوبهم. وضعت الآن حجر الأساس للبرنامج، وهى علي يقين بأنه سيلقى ترحاباً بين فتيات مثلها، عصفت بهم رياح مجتمع جاهل، ولكن لا .. حان الوقت لتغيير كل شئ.
وبحلول آخر اليوم، كانت طاقتها قد استنفذت، وذهبت إلى البيت بنفس المنوال وعلى نفس الوتيرة، تردد أمها وإخوتها الكلام نفسه، وبالطريقة نفسها، وكذلك كانت هي.. تردد معهم، ويلقى بها الأمر على الفراش لتبدأ فى تأمل يومها وكيف ترتب الأمور فيه، ومن الذي قد يحمل مفاتيح الأبواب المغلقة، وما إن همّ النوم يداهم عينيها حتى رن جرس هاتفها:
-” الو .. وعليكم السلام .. أيوا أنا .. مين . أهلا وسهلا يا فندم .. أشكر ثقتك جزيلاً، إن شاء الله هكون عند حسن ظن حضرتك .. بكرة إن شاء الله هكون فى الموعد.. إن شاء الله.. مع السلامة .
وأخيراً..استطاعت أن تبتسم وبدأت فى الصراخ . أخيراً . أخيراً . جاءتها أختها مسرعة:
– ” فى أيه؟”.
– “أخيراً أخدت الموافقة على البرنامج الجديد “.
-“يا شيخة فكرت حد مات”، بمنتهى اللامبالاة ردت.
أغمضت جفنيها والسعادة تغمرها، فى الغد موعدها مع انطلاق ابتسامتها الأولى !!.
فى صباح اليوم التالى ارتدت أفضل الثياب، وكالعادة لم تضع مساحيق التجميل، بل اكتفت أن تزين الابتسامة وجهها. وخرجت فاستقلّت “التاكسي” حتى لا تتأخر على موعدها مع صاحب قناة ” الحقيقة “، رجل يُعرف عنه الدقة والالتزام بالمواعيد، فى العاشرة والنصف تماماً وقفت أمام مكتبه، ودخلت مديرة المكتب تخبره أن الأستاذة حياة الأسيوطى تنتظر في الخارج، بعد لحظات عادات تعلمها أنه يدعوها للدخول.
– “مساء الخير يا فندم”
– “مساء النور يا حياة”, غريب لم يقل أستاذة لكنها لم تقف على ذلك كثيراً، “عاملة إيه ..يارب تكوني بخير .. عرفت إنك مش مرتاحة مع بنهاوى، ها إيه الأخبار؟”
– ” الحمد لله على كل حال، أستاذ بنهاوى كويس مش معنى إني بدوّر على مكان تانى يعنى أن قناة بنهاوى سيئة، لأني ببساطة اشتغلت فيها”
– “انت ذكية أوى يا حياة”
– “مجاملة رقيقة من حضرتك”
– أنا قرأت كام حلقة .. فكرة البرنامج عجبتنى خصوصا أنها موضة الأيام دى ”
– “موضه ازاى! “
– “يعنى فى ظاهرة اليومين دول بتاعت الأغانى خلى السعادة عادة .. والضحكة عملة نادرة ..”
– “أه بس دول مجرد أغانى حماسية شوية، لكن البرنامج يناقش مشاكل حقيقية، مشاكل أنا كل يوم باشوفها من شباك الميكروباص”
– “إيه دا هو انت لسه معندكيش عربية”
– ” أيوه يا سيدي لسه ”
– ” قوليلي يا حياه ” ” انت لسه حاسة إنك تقدري علي برنامج ز ي دا, أنا مش بشكك في إمكانياتك، بس عايز أسمع رأيك”
– ” بكل بساطة أنا مؤمنة، مادمت استطعت أن تحلم إذاً يمكنك تحقيق الحلم ”
-” مش بقولك ذكيه!، علي العموم أنا موافق علي البرنامج، وأتمني لك التوفيق ”
-” شكرا يا فندم “.
خاطبت نفسها “شكله كدا مش سهل، فمعروف عن أستاذ أحمد أبو المجد أنه داهيه الإعلام.. ربنا يستر”.
خرجت من مكتبه وهي في حالة من النشوي والسعادة متجهة إلي فريق الإعداد والفريق المعاون، حان وقت الحقائق فاكتفت بإرسال رسالة إلى بنهاوي تخبره فيها بجمله واحدة ( GAME OVER).
وبعد عدة ساعات قضتها مع فريق الإعداد، خرجوا من اجتماعهم متفقين أن في غضون 10 أيام سيكون البرنامج علي مرأي ومسمع.
خرجت من مبني القناة ” الحقيقة ” وهي تأمل أن تصبح أحلامها حقيقة.

Facebook Comments Box

اظهر المزيد
المقال يعبر عن رأي كاتبه دون أدني مسئولية علي الموقع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by ExactMetrics