جيهان مأمون-المصريين بجد
ترنيمة نور تتنزل من السماء لتنير قلوب المحبين ……. لم يكن المعبد فى مصر القديمة مكانا لتلقين و دراسة التعاليم الدينية فقط و لكنه كان الينبوع الذى يملأ مصر بالحب و نور العلم فهو مركز العلوم الكونية مثل علم الهندسة و علم الفلك و علم نشأة الكون ، كان هدف قدماء المصريين من بناء المعابد هو وصل السماء بالأرض لأنهم آمنوا بأن الروح هى الوصلة فسموا المعبد بيت الروح ( بر با) …. اعتبر المصرى القديم أن المعبد يعد نموذجا مصغرا للكون فبنيت المعابد بقوانين محكمة محاكاة لقوانين خلق الكون الدقيقة ، فكان وضع أساس المعبد وتشييد الدعائم و الأعمدة و الحوائط يتم فى توقيتات معينة تبعا لعلوم الفلك وللخريطة النجمية فى السماء ، وقد ينتظر البناءون لفترات زمنية طويلة قبل التشييد حتى تظهر نجمة محددة فى السماء فيبدأ البناء فى نفس لحظة الظهور ، استند قدماء المصريين إلى أن الشمس تمر على كل نقطة فى أثناء شروقها وغروبها مرتين فى كل عام ، وأن المسافة الزمنية بينهما تختلف تبعا لبعد كل نقطة عن نقطة الشرق ، فكانوا يختارون المعابد فى أماكن تتوافق مع مسار شروق الشمس فى تواريخ معينة بإعجاز هندسى لايمكن محاكاته فى العصر الحديث لذلك نجد ظاهرة تعامد الشمس فى المعابد المصرية القديمة … هذه الظاهرة الفلكية المعجزة تعلن اليوم عن نفسها بشدة فى دير الملاك ميخائيل المشيد فى القرن الرابع الميلادى فى كفر الدير منيا القمح حيث يشهد المكان المقدس ثلاثة تعامدات للشمس سنويا على مذابح الكنيسة فى توقيتات محددة ، وتتنزل طاقات النور من السماء لتنير غرفة المذبح بأكملها مثلما ينير الإيمان قلوب العابدين المحبين …. تم اكتشاف هذه الظاهرة الفريدة إشراقة النور التى تتجلى فى قلب الدير فى عام 2014 عن طريق الصدفة أثناء عملية ترميم الدير الآثرى و إزالة الأخشاب التى كانت تغلق النوافذ و عطلت تعامد الشمس على المذابح لأكثر من ألف عام لتعلن عن عودة الحياة و تجلى الأنوار فى قلوب أبناء مصر بكافة فئاتهم … يرجع تاريخ إنشاء الكنيسة إلى القرن الرابع الميلادى و تم ترميمها فى القرن الحادى عشر الميلادى، وهى تعد واحدة من ضمن خمس كنائس شيدتهم الملكة هيلانة فى الدلتا ، شيدت الكنيسة على الطراز البيزنطى و هى مبنية بالطوب و الحجارة وتضم قبابا مرتفعة تمثل شكل صليب ، و قد شيدت على نظام الحصون تحمل أسوارها فتحات لمراقبة الطرق كما تحوى حصنا ليلوذ به الرهبان يسع ثلاثون راهبا و تضم أيقونات فنية نادرة … تحدث تعامدات الشمس على الكنيسة فى توقيتات سنوية محددة … 1 مايو تتعامد على مذبح مارجرجس 19 يونيو تتعامد على مذبح القديس ميخائيل 22 أغسطس ، فى موعد الإحتفال بعيد إفطار صيام العذراء المصريين القدماء هم أول من حققوا ظاهرة تعامد الشمس فى المعابد و أشهر هذه التعامدات على الإطلاق هو تعامد الشمس مرتين سنويا على وجه الملك رمسيس الثانى فى معبد أبوسمبل فى يومى 21 أكتوبر، و21 فبراير فى تاريخ ميلاد الملك وتاريخ اعتلاءه العرش ، و تتكرر هذه الظاهرة أيضا فى معبد الكرنك فى مدينة الأقصر ، وفى معبد حتشبسوت فى الدير البحرى و فى معبد قصر قارون فى الفيوم يوم 21 ديسمبر يوم الإنتقال الشتوى ، و فى غيرها من المعابد المصرية القديمة … تعد ظاهرة تعامد الشمس ثلاث مرات سنويا على دير الملاك ميخائل فى منيا القمح إثباتا لإستمرار علوم مصر القديمة فى وجدان المصريين حتى عصور متقدمة قبل أن تنحسر هذه العلوم و المعارف التى مثلت عظمة حضارة مصر القديمة …الحضارة التى عرفت أن البهجة والمحبة هي سر الحياة فزرعوا هذه البذرة فى أرض كميت السوداء الخصبة حتى تنمو و تترعرع و تملأ أرواح وقلوب أبناءها المخلصين …