جيهان مأمون تكتب :البهطلة و العصائب المقنزعة موضات محرمة
المصريين بجد-جيهان مأمون
يعود ولع النساء بالموضة لعصور بعيدة ، تظهر دائما إبتكارات جديدة فى الأزياء و تلبى النساء النداء بلا كلل و لا ملل ، و لكن فى العصور القديمة الإلتزام بتقاليد المجتمع الصارمة واجب ….
لبت النساء نداء الموضة فى العصر المملوكى من 5000 عام و إرتدين الأكمام التى يبلغ إتساعها ثلاثة أمتار فإعتبرها المجتمع بدعة وخروج على نطاق الحشمة و اللياقة و أصدر محتسب القاهرة مرسوما رسمى بتحريم إرتداءها و مطاردة المخالفات وقص أكمام هذه القمصان فى الشوارع …
كان شارع القصبة هو أكبر و أهم الشوارع التجارية فى القاهرة بلغ عدد الدكاكين ( 12,000 ) دكانا وكانت الملابس تحاك بحوانيت الخياطين من كتان أو قطن من سوق الجملون ، وإعتاد الخياطون تطعيم الملابس بالفراء أو الأحجار أو اللؤلؤ حسب الطلب ، و من يريد شراء الملابس المخيطة الجاهزة يذهب لسويقة أمير الجيوش .
للنساء عالمهن الخاص فى الحرملك بعيدا عن عيون الغرباء ، و يروى لنا المؤرخون عن خوند جلبان زوجة السلطان المملوكى الأشرف برسباى ، ( و خوند كان لقب يتم إطلاقة على سيدات الطبقة العليا و يعنى السيدة أو الست ) التى صنعت ثوبا مرصعا بالجواهر بلغ ثمنه ثلاثين ألف دينار لتحضر به حفل ختان إبنها الملك العزيز يوسف ولى العهد خطفت به الأبصار ، كما يروى أن خوند زهرة زوجة الأمير طاز الذى ترك قصرا مشهورا لايزال قائما حتى اليوم و التى خلفت بعد وفاتها ثروة طائلة من جملتها قبقاب مرصع بالجواهر بلغت قيمته أربعين ألف درهم.
و يروى لنا المؤرخ المعروف المقريزى أنه فى عام (13500م) فى وزارة الأمير منجك ظهر نوع من القمصان إنتشر إرتداءه بين النساء أطلق عليه ( البهطلة ) كان له ذيل طويل ينسدل على الأرض مع أكمام واسعة تبلغ فى إتساعها ثلاثة أمتار إعتبرها المجتمع خروج على نظاق الحشمة و اللياقة لأنها قد تكشف عن جزء من الذراعين و صدر مرسوم رسمى يقضى بتحريم إرتداء أى قمصان يزيد إتساع الكم فيها عن مترا واحدا و أصدر محتسب القاهرة أمرا بمطاردة النساء المخالفات و قص أكمام القمصان و معاقبتهن عقابا شديدا و تم القبض على العديدات فإرتدعت النساء و إمتنعن عن إتباع هذه الموضة .
و لكن لم يستمر هذا التحريم طويلا وعادت موضة الأكمام الواسعة مرة أخرى فى عصر السلطان برقوق (1391م) و إنتشر إرتداءها ، فغضب نائب السلطنة الأمير كمشبغا غضبا شديدا و أمر بأن لا تلبس النساء قمصانا بأكمام واسعة و بعث برجاله إلى الأسواق للقبض على المخالفات فإمتنعت النساء ، و مما يثير السخرية أن القمصان ذات الأكمام الواسعة حملت إسم من يحاربها فصار يطلق عليها القمصان اليشبغاوية.
و فى بداية القرن 144م ظهرت موضة جديدة و تسابقت النساء لإقتناءها و هى عبارة عن (إزار من الحرير) باهظ الثمن يلتف حول الثوب عند الخروج من المنزل له لمعة تلفت الأنظار ، و قد بلغ سعر هذا الإزار ألف درهم وهجرت النساء الأزر البغدادية البسيطة اللاتى إعتدن إرتداءها ، وإعتبر المجتمع هذا الأمر خروجا على الأعراف و التقاليد و تغالى فى لفت الأنظار و نادى محتسب القاهرة بمنع إرتداء هذه الأزر الحريرية و حرم بيعها و هدد البائعين بمصادرة أموال من يجد عنده مثل هذه الأزر حتى بطلت هذه الموضة.
و ثارت زوبعة جديدة فى عصر السلطان الظاهر بيبرس و لكن هذه المرة بسبب رغبة النساء فى إرتداء العمائم محاكاة للرجال ، و خرجن بها إلى الأسواق فلم تلقى القبول ، و كانت عمائم النساء تختلف عن عمائم الرجال فهى عبارة عن قطعة من القماش تلتف حول طاقية صغيرة ثم تلتف حولها قطعة من النسيج تسمى العارضة تزين بالحلى الذهبية أو الماسية ، كما إرتدين الشربوش و هو أشبه بالتاج المثلث الشكل …
و لكن القشة التى قسمت ظهر البعير كانت ظهور بدعة جديدة فى أسواق عمائم النساء يطلق عليها (العمائم الجركسية ) و هى مماثله لطواقى الجنود لها عصابات مرتفعة يدور حول حافتها شريط من فراء القندس ، فثارت ثائرة الرجال و إعتبرن هذا الأمر تعدى صارخ على مظاهر الرجولة و صارت عمائم النساء مثار جدل شديد هاجمها رجال الدين و نادى االولاة و السلاطين بأن لا تتعمم النساء بعمائم ولا تلبسن الطواقى خارج المنزل ، و أصدر محتسب القاهرة مرسوما (1263م) يحرم على النساء إرتداء العمائم خارج البيوت ومن تفعل ذلك يسلب ما عليها من الكسوة و الثياب فى الطريق العام ، و صدر مرسوم من السلطان الظاهر بيبرس (1263م) بأن لا تتعمم النساء بعمائم ولا طواقى خارج المنزل
نساء العصر المملوكى ينتمين لعالم بعيد خارج واقعنا المادى الملموس صرن بمثابة فانتازيا تاريخية تطلق العنان لخيالنا فتتجسد للقلب عوالم النساء الساحرة من وراء المشربيات التى تحمل خليط من شذا العنبر و المسك بنكهة الأزمنة المولية .