مقالات

سد النهضة بين تعنت أديس ابابا ومحاولات القاهرة

المصريين بجد- محمد بغدادي

تمثل مياه النيل لمصر بمثابة القلب للجسد، فحينما تقل كمية المياة تعاني مصر خاصة وأنه لا وجود لبدائل أخرى للحصول على نقطة المياة إلا بعض قطرات تأتي من السماء في شتاءً ليس بشديد البرودة كما في أوروبا . والتساؤل كيف يتم حل قضية سد النهضة ؟ وإلى أي مدى يمكن إقناع أثيوبيا بالتخلي عن برامجها ومشاريعها العملاقة التي تحدث ضرراً بدول المصب؟ كيف نعيد اللحمه لدول حوض النيل؟ كيف يمكن استثمار هذه المنطقة بطريقة تضمن للجميع حقوقة وتلزمه بإحترام الآخرين؟ ما هي الآليه التي تمنع القوى الخارجية من التدخل في الشأن الداخلي لدول حوض النيل؟
إن قيام أثيوبيا ببناء سد النهضة على النيل الأزرق الذي هو ثاني أكبر مصدر لمياة نهر النيل بعد النيل الأبيض سيضر بمصالح مصر والأمن المائي المصري ونصيبها من المياة، مما يعطي مساحة واسعة لدول حوض النيل لبناء مزيداً من السدود في المراحل المقبلة؛ مما شكل خطراً لدولة المصب مصر، خاصة بعد إستغلال أحداث يناير 2011 من قبل أثيوبيا والقيام بالانتهاء من بناء السد دون أن تنتظر التقرير الفني، وفي أثناء انشغال مصر بالأحداث الداخلية وتعاقب رؤساء وحكومات في سنوات قليلة منذ 2011، وعدم الاهتمام الكافي بإحياء المفاوضات مرة أخرى بين الجانبين المصري والأثيوبي.ونتيجة لذلك تهافتت العروض المقدمة من جهات أجنبية بالدراسات والتمويل وبخاصة اسرائيل لبناء سدود في أثيوبيا. ومن جهة أخرى فإن الجهات الرسمية في أثيوبيا تؤكد حقها في إنتاج الكهرباء وفقاً لاتفاقية عنتيبي الأخيرة، إن بناء سد النهضة سيعمل على تقليل ما تحتاجه مصر من المياة وهو 55.5 مليار مترمكعب، ليكون أكبر سد أفريقي وعاشر سد لإنتاج الكهرباء على مستوى العالم، على الرغم ان احتياج أثيوبيا للكهرباء يقل عن ذلك بكثير.
كما أن للسد تداعيات اقليمية تتمثل في تشجيع بقية دول حوض النيل على تنفيذ مشاريع السدود الكبرى والمتوسطة، وانضمام جنوب السودان لاتفاقية عنتيبي، وتنفيذ مشاريع فواقد النهر بتمويل ودعم دولي لبيع المياة لمصر، وتوسع السودان في الزراعات على مياة نهر النيل الأزرق خصماً من حصة مصر المائية، وليس مستبعداً انضمام السودان لاتفاقية عنتيبي وتنصله من اتفاقية 1959، ليترتب على ذلك صراع مستمر بين القاهرة واديس ابابا والخرطوم.
فبينما ترى الأطراف المؤيدة أن من حق أثيوبيا بناء السد وعلى رأسهم أثيوبيا حيث يعتبر السد فرصة كبرى لها لإنتاج الكهرباء بل والأكثر من ذلك ستصدر الكهرباء لمصر والسودان، وتساعدها على النهوض والتنمية، ومن جهتها تؤيد اسرائيل بناء السد لإنها تمول وتقوم بالاستثمار في منطقة أثيوبيا فضلاً عن عدائها التاريخي لمصر، وهناك دولاً أوروبية منها ايطاليا وفرنسا بخلاف الولايات المتحدة الأمريكية والصين رابحة من هذا القرار حيث إنها قامت بالدراسات والأبحاث والاستشارات الفنية التي ساعدت على نشأة سد النهضة، فضلاً عن شركات المقاولات الفرنسية والايطالية التي قامت ببناء سد النهضة، فضلاً عن اسرائيل التي ساعدت على تمويل السد وهي العدو الأول لمصر، فالتقارب الأثيوبي الاسرائيلي يقف أمام مصر في الاستفادة من مياه نهر النيل. فضلاً عن موافقة السودان وعلماً بأنها كانت قد قامت برفض القرار في السابق مما يعطي دلالة على تخبط في السياسة العامة في الخرطوم وعدم وحدة التوجه العام لدى الخرطوم خاصة بعد انفصال شمال السودان عن جنوبه.
ترى الأطراف المعارضة لبناء السد أن قرار البناء شديد الخطورة على حصتها من مياة نهر النيل وعلى رأسهم مصر فهي الخاسر الأول ولإنها ستفقد كميات من المياة التي تصل اليها من النيل الأزرق، فحق مصر في نهر النيل حق تاريخي وأكدته الاتفاقيات الدولية بين دول حوض النيل وهو ما يعادل 55.5 مليار متر مكعب منذ اتفاقية 1959 بين مصر وبريطانيا. وتعلل القاهرة رفضها للقرار بأن هناك أخطاء ارتكبها الجانب الأثيوبي أثناء عملية إنشاء السد مما يعرض جسم السد للإنهيار مما يمثل خطراً فادحاً على الخرطوم والقاهر، فضلاً على أن بناء السد سيعطي رغبة من جانب باقي دول حوض النيل لبناء العديد من السدود. ويعتمد رفض القاهرة لقرار السد على الاتفاقيات السابقة والتي تمنع إقامة سدود على النيل الأزرق والأبيض منها اتفاقية اديس ابابا 1902، واتفاقية لندن 1906، واتفاقية روما 1925، واتفاقية 1959. ووفقاً لاتفاقية عنتيبي الأخيرة والتي عقدتها أثيوبيا منفردة مع أوغندا وتنزانيا وروندا وكينيا فقط يعطي مؤشراً خطيراً لاستبعاد القاهرة والخرطوم من دائرة المفاوضات وحقهما في مياة النيل.
فقلد أدركت القيادة السياسية حجم المشكلة وتضخمها، وقامت بالتحرك الفوري لعمل لقاء ثلاثي يجمع بين أثيوبيا والسودان ومصر ؛ في محاولة لإنقاذ الموقف من التدهور خاصة بعدما أوشكت أديس ابابا من الانتهاء من بناء سد النهضة .وطالبت مصر في الزيارة الأخيرة بدخول وفد البنك الدولي في المفاوضات كوسيط ؛ ليتم حفظ الحقوق والواجبات من الأطراف جميعها. ويبدو أن الرئيس عبدالفتاحالسيسى حريص على تطوير علاقات القاهرة بالقارة السوداء حينما شارك في فعاليات القمة الإفريقية الأخيرة،والتي تشهدها 54 دولة. كما يؤكد اصرار مصر على تقديم الدعم المادي والمعنوى للإشقاء الأفارقة ، طارحه بذلك سنوات الفرقة العجاف عرض الحائط. كما ناقشت مصر آلية تطوير العمل بالاتحاد الأفريقي ؛ في خطوة لاحتضان القاهرة لعمليات التنمية بأفريقيا.

مقالات ذات صلة
Facebook Comments Box

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by ExactMetrics